صوتُ الحكومة يعلو، حتى عبَرَ القارات منادياً بوقف الحرب التي ستتمدد قريباً، وتُدخل العراق إلى ساحتها، لكن عيون رئيس الوزراء محمد شياع السوداني على الفصائل التي تواصل إطلاق المسيّرات صوب الأراضي المحتلة، وقتلت اثنين من الصهاينة.
اختلاف الآراء بين الحكومة والمقاومة
الحكومة تريد خفض التصعيد وإبعاد العراق عما وصفته بـ “شبح الحرب”، لكن المقاومة لها رأي آخر، ويتمثّل بضرب الكيان الصهيوني، وإيقافه عند حده، بعدما أوغل بقتل الفلسطينيين واللبنانيين، ودمر البنى التحتية في غزة وجنوب لبنان.
لم تتوقف فصائل المقاومة في العراق عن استهداف الكيان، وترى أن الحرب “قائمة” ولا تحتاج إذناً كي تدخل إليها، لكن رئيس الوزراء محمد شياع السوداني، بعث رسالة إلى بايدن والاتحاد الأوروبي، يدعوهم إلى التدخل وإيقاف الكيان.
الحرب ستّتسع
لن تتوقف الحرب عند حدود لبنان.. هذا ما تظهره الأحداث المتسارعة في المنطقة، إذ أن المقاومة في العراق، تواصل ضرب “الأهداف داخل الكيان”، واليمن يطلق صواريخه، وحتى إيران، أطلقت صواريخها البالستية، حتى باتت المنطقة على شفا حرب إقليمية، وقد تكون أشبه بـ “الحرب العالمية”.
تواصلت “إيشان” مع فصائل المقاومة في العراق، وسألتها عن الدخول في الحرب، لتؤكد أن “الكيان تمادى”، والواقع صار فوق الحسابات الدبلوماسية والسياسية، الذي تريده الحكومة.
الفصائل بالحرب
المتحدث باسم كتائب سيد الشهداء، كاظم الفرطوسي، يقول لـ “إيشان”: “نحن نعتقد أننا بحالة حرب منذ العام ١٩٤٨ وليس هناك قرار بإيقاف الحرب، ونحن كنا نعيش حالة اللا سلم واللا حرب”.
ويضيف الفرطوسي، أن “إسرائيل قصفت العراق بأكثر من مرة وهي تستبيح السماء العراقية بشكل مستمر، ونحن لن نحتاج لقرار حرب، نحن في حالة حرب فعلاً”.
وتابع: “اليوم نعتقد بأن ما يحصل في فلسطين ولبنان، هو فوق كل الحسابات الدبلوماسية والسياسية”.
وأشار إلى أن “الفصائل تحترم الحكومة العراقية، ونحاول ألا نسعى لإحراجها، ولكن هذا الحدث أكبر من كل الحسابات السياسية، الحكومة تتفهم وفصائل المقاومة تتفهم موقف الحكومة، ونعتقد أن الأخيرة عليها أن تدافع عن سيادة العراق قدر ما ممكن من أجل أن يكون قوياً وليس ضعيفاً ويخشى من أبسط التهديدات”.
ليس كتائب سيد الشهداء وحدها تتبنى هذا الموقف، فهناك فصائل أخرى، بعضها هدد بـ “حرب الطاقة”، تريد الدخول إلى ساحة المعركة، وهو الأمر الذي قد يبدد جهود السوداني الساعية لإبعاد العراق عن الحرب.
وظهرت تساؤلات، أبرزها: “هل يتخلى العراق، عن كتائب سيد الشهداء التي يتزعمها أبو حسين الحميداوي، وحركة النجباء، التي يرأسها، أكرم الكعبي”، لكن المحللين يقولون، إن “العراق لن يتبرأ من أبنائه، وإذا اضطر، فإن المؤسسة العسكرية ستقاتل بجانبهم”.
العراق لن يترك أبناءه
الخبير الأمني، اللواء صفاء الأعسم، يقول لـ “إيشان”، إن “هناك أربع إلى خمس جهات من فصائل من المقاومة، تقاتل الكيان، وليس لها أي صفة بالدولة، سواء كانت سيد الشهداء، أو كتائب حزب الله، أو النجباء”.
وأضاف، أن “العراق لن يترك أبناءه، ودوره الداخلي الآن، وخاصة المتمثل بالموقف الصادر عن الإطار التنسيقي الذي أصدر قراراً بأنه لا يريد الدخول بمعارك مع إسرائيل أو أمريكا”.
وأشار إلى أن “العراق لم يشترك لغاية الآن في المعركة، ولا يريد أن تكون أرضه مقرا لتصفية حسابات خارجية، ويتمنى أن تكون خارجه وليس داخله لأن المصالح العراقية ستتضرر، وسيكون هناك إشراك بشكل شبه قسري للمؤسسة العسكرية”.
وبين، أن “القائد العام للقوات المسلحة، يعمل بكل الإمكانات لتجنب الحرب، وعدم إشراك العراق بعمليات القتال، ومنعه أن يكون موقعاً لتصفية حسابات إيران أو دول المنطقة”.
ويرى الأعسم، أن “الفصائل هي أذرع إيران، بالتعاون معها، لأن الجمهورية الإسلامية تدعمها، وأتصور أن طهران في طور التهدئة، وحثت عليها، ولا تتمنى أن تشترك بحرب كبيرة لأنها توصلنا إلى حرب إقليمية كبيرة أو شبه حرب عالمية ثالثة بعد تصريحات من دول عظمى، بأنها ستشترك بالحرب، على مستوى روسيا بدعم إيران، أو أمريكا بدعم إسرائيل”.
وأكمل قائلاً: “لغاية الآن، هناك هدوء أكبر داخل العراق، وفي عمليات القتال تحركت الفصائل وضربت إسرائيل على الحدود مع سوريا، وكانت هناك ضربات وممكن أن تصل إليها مجدداً”.
وتابع: “سيكون هناك هدوء أكثر داخل العراق، ولكن على مستوى إشراك الفصائل، فإنها تحركت لغرض التعاون مع لبنان بشكل أكبر، لكن إيران والعراق لا تتمنيان أن يشتركا بحرب كبيرة”.
الحكومة لا تريد الحرب
وتبذل الحكومة جهداً، عبر قنواتها الدبلوماسية والتحركات السياسية، لإقناع الأطراف الداخلية بعدم التصعيد مع الكيان، كي لا يدخل العراق في الحرب، وهو ما يؤكده مستشار الأمن القومي، قاسم الأعرجي.
الأعرجي، قال في برنامج “من جهة رابعة”، الذي تقدمه الزميلة منى سامي، وتابعته “إيشان”، إن “العراق لوحده محور، ودولة ذات سيادة، ويعمل سابقاً وحالياً وسيطاً من أجل خفض وفك الأزمات، وهو دور محوري لخفض التصعيد، ويبذل جهوداً مع أصدقاء ودول شقيقة وصديقة من أجل ألا تكون المنطقة في مهب الريح”.
وأضاف الأعرجي، أن “العراق يمكن أن يكون وسيطاً بين إيران وأمريكا، وفعل ذلك، وهناك نتائج إيجابية، وتقبّل بأن العراق بلد مهم وصاحب علاقات مع الجميع، ومقبول من كل الأطراف، وعندما يتوصل إلى خفض الخلافات، يُقبَل منه، وكان له السبق في إعادة العلاقات الإيرانية السعودية”.
وأشار إلى أن “الحكومة تعمل بشكل متوازن، والسيطرة على الأوضاع داخلياً، واحترام مشاعر الناس، وحقوقهم”.
توسّع الصراع
واليوم الاثنين، أصدر الأمين العام لكتائب حزب الله، أبو حسين الحميداوي، بياناً بشأن ذكرى أحداث السابع من أكتوبر، ودعا المقاومة في العراق إلى الاستعداد لتوسّع الحرب، والاستمرار بتوجيه الضربات إلى عمق الأراضي المحتلة.
وقال الحميداوي في بيان ورد لـ “إيشان”: “لقد انقضى العام الأول من النزال التاريخي لجبهة الحق كله مقابل جبهة الشر كله، فسجل بين جنباته من إنجازات المحور ما لا عين رأت ولا اذن سمعت به قبل عملية 7 أكتوبر المجيدة، إذ قاتل جند محمد (صلى الله عليه وآله) بوعي وبصيرة وثبات قل نظيره، وتقف الكلمات عاجزة عن وصفه”.
وأضاف، “إن يد الله معنا، وأن ألطافه وفيوضاته نزلت على الثلة المؤمنة لتتوجه إلى ما يريده، وهذا ما نلمسه باستمرار من رحمته وعظمته، إذ أن معركة طوفان الأقصى -وما لحقتها من عمليات محور الخير – أعادت الكيان الصهيوني إلى حقبة سنيين (الهاغاناه) ولكن الفرق إننا نمتلك اليوم بفضل الله ما لم يملكه أسلافنا في تلك الفترة المريرة”.
وتابع: “لقد تجسدت في جبهة العدو كل أنواع الشر والهمجية والإجرام، متخطيةً كل حدود التصور البشري، وباشتراك مباشر وفعال من أمريكا الشر والدول الغربية التابعة لها، وبإسناد (نظام السيسي والنظام الأردني الخبيث، والكيان السعودي بمؤسساته الوهابية، ونظام الإمارات) وستُحفر أفعال هؤلاء في ذاكرة الأمة ما سينتج بركانا من الغيض والانتقام لا يمكنهم إيقافه”.
وأشار إلى أن “الشعب العراقي عاد لممارسة دوره التاريخي الذي غُيّب عنه لعقود خلت، وأصبح اليوم رقما صعبا لا يمكن تجاوزه في المعادلات الإقليمية والدولية”.
وأكمل: “نحن نخوض هذه الأيام معركة الحق ضد الباطل، ينبغي على المقاومة الإسلامية أن تستعد لاحتمال توسع هذه الحرب، وتستمر بتوجيه الضربات المركزة لقلب الكيان، وأن تُفعل العمليات المشتركة مع الإخوة اليمنيين فهي مؤثرة ومباركة، وتفتح جبهات جديدة من عمليات استنزاف العدو”.
واختتم بيانه قائلاً: “نقول لليهود والصهاينة: لا مكان لكم على هذه الأرض، فقد اقترب الخراب الأخير، وسنشد الرحال الى الأقصى المبارك بعونه تعالى، (ذَٰلِكَ وَعْدٌ غَيْرُ مَكْذُوبٍۢ)”.
حرب الطاقة
وفي الثالث من أكتوبر 2024، حذرت كتائب حزب الله العراقية، من خسارة العالم 12 مليون برميل من النفط يومياً، في حال بدأت “حرب الطاقة” في المنطقة.
وذكر المسؤول الأمني في الكتائب، أبو علي العسكري، في تدوينة له على تلغرام: “إذا بدأت حرب الطاقة سيخسر العالم 12 مليون برميل من النفط يومياً، وكما قالت كتائب حزب الله سابقاً إما ينعم الجميع بالخيرات أو يحرم الجميع”.
وعن تهديد أبو علي العسكري باندلاع حرب الطاقة، قال الأعرجي إن “رأي أبو علي العسكري يمثّل نفسه، ولا يمثل وجهة نظر الحكومة العراقية، وربما كان تصريحه رداً على إمكانية ضرب النفط أو المنشآت النفطية الإيرانية، وممكن أن تكون حرباً إعلامية”.
ولفت إلى أن “العراق يعتمد بشكل كبير على النفط، ويسعى أن يكون الممر الدولي آمناً، ولا يكون هناك استهدافات للمنشآت النفطية للعراق أو أي دولة في المنطقة”.
وبين، أن “الحكومة تضغط على كل الأصدقاء والأشقاء، ومن لديه القدرة على خفض الحرب والتصعيد”، مطالباً “المجتمع الدولي، بأن يضغطوا على الكيان الصهيوني لعدم جر المنطقة إلى ظرف صعب، قد يندم عليه الجميع”.
وأكد بحديثه، أن “الحكومة العراقية تسعى لإبعاد العراق عن الدخول بأي شبح أو قتال عسكري، وتعمل على دعم لبنان وفلسطين من خلال المساعدات وليس القتل والحروب”.
ووجّه رئيس الوزراء محمد شياع السوداني، يوم أمس الأحد، رسالة إلى الرئيس الأمريكي جو بايدن ودول الاتحاد الأوروبي تزامناً مع مرور عام على اندلاع أحداث 7 تشرين الاول، مؤكدا أن الأوضاع الحالية قد تجر المنطقة والعالم إلى منزلق “خطير”، يشعل حروباً مستمرة، وأزمة اقتصاد عالمية.
وقال السوداني في بيان تلقته “إيشان”: “مع مرور عام على اندلاع أحداث 7 أكتوبر 2023، واستمرار العدوان الصهيوني على غزّة، وامتداده إلى لبنان الشقيق، وتهديد المنطقة بأسرها، يذكّر العراق بموقفه المبكّر، الذي حذّر فيه من مغبّة سعي الكيان الغاصب إلى توسعة الحرب والصراع، ونتائج تركه يتمادى في ارتكاب الجرائم، وسط عجز المجتمع الدوليّ عن القيام بدوره”.
وأضاف: “اليوم، في ظلّ التداعيات الخطيرة التي تشهدها المنطقة، نوجّه رسالتنا إلى كلّ الأصدقاء، وبالخصوص الرئيس الأمريكي جو بايدن، ودول الاتحاد الأوروبي، بأننا نقف على أعتاب منزلق خطير قد يجرّ المنطقة والعالم إلى حروب مستمرة، ويهزّ الاقتصاد العالمي، ويعرّض التنمية إلى انتكاسة كبرى، لاسيما أن منطقتنا تمثل الرئة التي يتنفس منها العالم بالطاقة”.
وثمّنَ السوداني “الموقف المهم للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، الذي دعا فيه لوقف توريد السلاح للكيان الغاصب، والعمل على إنهاء الحرب، لأنه موقف ينبع من تقدير حقيقي لخطورة الأوضاع في المنطقة”، وفقاً للبيان.
وتابع: “لقد عملت حكومتنا بجهد كبير لتجنيب العراق آثار هذا التصعيد، ونجحنا في ذلك بمعيتكم وبالتعاون مع جميع الأصدقاء في العالم”، لافتا الى ان “المرحلة الراهنة تتطلب مضاعفة جهودنا، وأن يكون على رأس أولوياتنا إيقاف استهداف المدنيين، وإنقاذ المنطقة من شرور حرب لا تُبقي ولا تذر، ولن يكون فيها رابح سوى منطق القتل والتخريب والدمار”.
وأكد أن “العراق سيواصل جهوده ومساعيه مع الدول الصديقة والشقيقة، والعمل المشترك من أجل التهدئة، وعدم اتساع الصراع الذي يؤثر على أمن المنطقة والعالم”.