منذ إقراره في مجلس النواب، السبت الماضي، أثار تعديل قانون “مكافحة البغاء والشذوذ الجنسي”، موجة عارمة من الجدل، دخلت على خطها أطراف دولية على رأسها الولايات المتحدة، والأمم المتحدة اللتان اعترضتا عليه وطالبتا بإلغائه على أنه “سيعرض مواطنين لجرائم كراهية ومضايقات”. بينما حظي القانون بدعم رئيسي من الأحزاب الشيعية التي تشكل أكبر ائتلاف في البرلمان.
لكن القانون المعدل، يستمر بإثارة الجدل، وهذه المرة عبر تفصيلة غير “الشذوذ” التي انصب الاهتمام عليها طيلة الأيام الماضية، إذ إن خبراء قانونيين نبهوا على أن التعديل الجديد، قد يأتي على “الزواج المنقطع” في العراق.
“الزواج المنقطع” في التشريع العراقي
وينتشر في العراق “الزواج المنقطع”، مرة وفق عنوان “زواج المتعة”، بحسب المذهب الجعفري، ومرة بعنوان “زواج المسيار”، وفق مذهب أهل السنة والجماعة، ورغم التساهل بالتعامل وفقيهما، إلا أن هذين النوعين من الزواج يخضعان لاشتراطات محددة ومفصلة وفق المذهبين.
لكن “الزواج المنقطع” في كلتا حالتيه، يتم خارج المحكمة، بينما تنص المادة 10 من قانون الاحوال الشخصية العراقي على أن “يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن ستة اشهر ولا تزيد على سنة او بغرامة لا تقل عن ثلاثمائة دينار ولا تزيد على الف دينار كل رجل عقد زواج خارج المحكمة وتكون العقوبة الحبس مدة لا تقل عن ثلاث سنوات ولا تزيد عن خمس سنوات اذا عقد خارج المحكمة زواجا آخر مع قيام الزوجية”.
وبهذا يعد عقد الزواج المؤقت باطلا لأنه يفتقد لـ”شرط الاستمرارية”، أحد شروط عقد الزواج في قانون الأحوال المدنية رقم 188 لسنة 59.
وخلال السنوات الماضية، صدقت محكمة التمييز الاتحادية قراراً صادراً من إحدى محاكم الأحوال الشخصية بإثبات نسب طفلة إلى والدها، إلا أن الزواج عدّته باطلاً ولا يُسجّل في النفوس. وفي حالة أخرى عاقب القضاء “زوجين منقطعين”، لأن “العقود الشفهية بين المرأة والرجل غير صحيحة ولا تصادق بالأحوال الشخصية.
ويشير المختص بالقانون حبيب علي، في حديث لمنصة “إيشان” إلى أن “القضاء العراقي لا يعاقب على زواج المتعة لأن الفعل لا يقع تحت طائلة نص عقابي، كون الجزاء الذي وضعته الفقرة (5) من المادة العاشرة من قانون الأحوال الشخصية رقم 188 لسنة 1959 المعدل، يتعلق بعدم تسجيل عقد الزواج الدائم متى ما تحققت فيه شروط العقد وأركانه المنصوص عليها في الباب الاول من القانون المذكور والمتعلقة بالزواج، ولا يمكن قياس ذلك على الزواج الدائم الذي ينعقد خارج المحكمة، لأنه لا قياس في الجزاء ما لم يكن هناك نص يجرم الفعل ويفرض له عقوبة ووفقا لقاعدة لا جريمة ولا عقوبة إلا بنص (م1 عقوبات)”.
واستدرك حبيب: “إلا أن محكمة الجنح كان لها رأي آخر، إذ اعتبرت أي عقد زواج يقع خارج المحكمة يشكل جريمة وهذا ما رفضته محكمة الاستئناف، وهنا علينا أن نميز بين أمرين هما الموقف القانوني من شرعية الزواج المؤقت، وتوفير الحماية القانونية له من جانب،
وبين مدى تجريم واقعة الزواج المؤقت خارج المحكمة وانطباق الفقرة 5 من المادة 10 أحوال شخصية”.
ورأى أن “الزواج المنقطع ينبغي تسجيله في المحكمة، أسوة بالزواج الدائم وإن غاب النص القانوني المنظم لذلك فمازالت الشريعة الاسلامية تعترف به وبحليته عند توفر الشروط فيه، وأن الشريعة الاسلامية بموجب المادة 1 من قانون الاحوال الشخصية مصدراً من مصادر القانون المذكور”.
وجاء في أحكام المادة الاولى من قانون الاحوال الشخصية العراقي رقم 188 لسنة 1959 المعدل:
1 – تسرى النصوص التشريعية في هذا القانون على جميع المسائل التي تتناولها هذه النصوص في لفظها او في فحواها .
2 – اذا لم يوجد نص تشريعي يمكن تطبيقه فيحكم بمقتضى مبادئ الشريعة الاسلامية الاكثر ملائمة لنصوص هذا القانون .
3 – تسترشد المحاكم في كل ذلك بالأحكام التي اقرها القضاء والفقه الاسلامي في العراق وفي البلاد الاسلامية الاخرى التي تتقارب قوانينها من القوانين العراقية».
وأوضح المختص بالقانون: “فلو طلبت زوجة تصديق عقد زواج متعة فلا يحق للقاضي ان يمتنع عن ذلك تحت مبرر فقدان النص او نقصه وان قانون الاحوال الشخصية قد نظم الزواج الدائم وحدد اركانه وشروطه دون المؤقت فذلك يعد عدم احقاق الحق (م 30 مرافعات)، والتي جاء نصها بما يلي: «لا يجوز لأية محكمة ان تمتنع عن الحكم بحجة غموض القانون او فقدان النص او نقصه والا عد الحاكم ممتنعا عن احقاق الحق. ويعد ايضا التأخر غير المشروع عن اصدار الحكم امتناعا عن احقاق الحق”.
“مكافحة البغاء” و”الزواج المنقطع”
وأكد حبيب علي قائلا إن “عدم تنظيم فعل يمارسة جماعة من الناس له آثار مباشرة على الطرفين وعلى غيرهما يعتبر خلل يجب معالجته، وأن الاحتجاج بعدم تنظيم الأمر، لعدم وروده في نص القانون يسمى نقصا تشريعيا مادام الفعل يمارس وعلى نطاق واسع لأنه مغطى بغطاء شرعي ويرتب آثاره على المجتمع، وأن وقائع الزواج المنقطع هي وقائع وحوادث قانونية يجب أن يوضع لها إطار قانوني، لاسيما بعد تجريم العلاقة الجنسية بين طرفين بالغين ولفترات متعددة في تعديل قانون البغاء”.
ورأى أن “زواج المتعة حسب التعريف الاخير لتعديل قانون مكافحة الغاء، ينطبق عليه تماما ويعتبر جريمة بغاء لأن التعدد والثمن والعلاقة غير المشروعة قانونا هي من تحدد بين البغاء وغيره”، متسائلا: “فهل انتبه المشرع لهذا الخلط بين المفاهيم والوقائع؟، ووهل سيحاسب زوجان بالمتعة بتهمة البغاء؟”.
وبحسب التعديل الذي أقره البرلمان السبت الماضي، فإن الفقرات التي تتعلق بالبغاء تنص على التالي:
- البغاء، تكرار ممارسة الزنا مع أكثر من شخص بأجر أو من دون أجر.
- السمسرة: الوساطة بين شخصين بقصد تسهيل البغاء أو الشذوذ الجنسي، بأية طريقة كانت ويشمل ذلك التحريض ولو بموافقة أحد الشخصين أو طلبه كما يشمل استغلال بغاء الشخص بالرضا أو بالإكراه.
- بيت الدعارة: هو المحل المخصص لفعل البغاء أو الشذوذ الجنسي أو تسهيل ممارستهما.
- يعاقب بالسجن مدة لا تزيد على 7 سنوات وغرامة لا تقل عن 5 ملايين ولا تزيد عن 10 كل سمسار أو من شاركه في السمسرة، وكل من يمتلك او يدير بيت دعارة.
- يعاقب من تعاطى البغاء بالسجن مدة لا تزيد عن 7 سنوات وبغرامة لا تقل عن 3 ملايين ولا تزيد عن 5 ملايين.
- تعد جرائم البغاء والشذوذ جرائم مخلة بالشرف، بموجبها يستبعد المدان من وظيفته الحكومية.
“ثغرات قانونية”
وفي وقت سابق، أشر الخبير القانوني علي التميمي، جملة من “الثغرات” في التعديلات التي أجراها مجلس النواب العراقي على قانون مكافحة “البغاء”.
وفي الجزء الذي يتعلق بفعل البغاء، لفت التميمي عبر حسابه على منصة “فيسبوك”، أن “القانون كان مقتضبا في التعاريف ولم يتوسع فيها أو يفصلها، وهذا سيفتح باب الاجتهاد في التطبيق. مثلا ممارسة الزنا لمرة واحدة لم تعالج، وكان الأولى الرجوع بها إلى المادة 377 من قانون العقوبات العراقي”.
ورأى التميمي أن “القانون السابق 8 لسنة 1988 عاقب على البغاء بالإيداع في دور الدولة لمدة لا تزيد عن سنتين اي كان يميل الى الإصلاح، لكن هذا القانون عاقب البغي بالسجن 7 سنة دون وجود هذه الدور”.
واختتم الخبير القانوني ملاحظاته عن القانون بالقول “ألغى القانون قرار مجلس الثورة 234 لسنة 2001 الذي عاقب بالإعدام عن السمسرة في حين جعلها هذا القانون سجنا 7 سنوات وبما لا يزيد عن ذلك وغرامة تصل إلى 10 ملايين دينار”.