في 9 نيسان 2003، أسقطت القوات الأمريكية تمثال صدام حسين، رئيس النظام السابق، في ساحة الفردوس، إيذانا بزوال النظام الدكتاتوري نهائيا، لكن فرحة الخلاص من أهوال حزب البعث وسلطات صدام، تعثرت في طريق المقابر الجماعية التي تم اكتشافها منذ ذلك العام.
“لقد اكتشفنا للتو 400 ألف جثة في مقابر جماعية”، هكذا صرح توني بلير، رئيس الوزراء البريطاني وقتها، في 20 تشرين الثاني من العام 2004.
تم اكتشاف مواقع في جميع مناطق البلاد وتحتوي على أعضاء من كل مجموعة دينية وعرقية رئيسية في العراق بالإضافة إلى رعايا أجانب، بما في ذلك الكويتيون والسعوديون. يُعتقد أن أكثر من مليون عراقي في عداد المفقودين في العراق نتيجة لعمليات الإعدام والحروب والانشقاقات، ويعتقد أن مئات الآلاف منهم في مقابر جماعية.معظم المقابر التي تم اكتشافها حتى الآن تتوافق مع واحدة من الأعمال الوحشية الخمس الكبرى التي ارتكبها النظام.
ويضم العراق 2500 مقبرة جماعية، توزعت في صحاريه ومناطقه النائية، وتشمل رفاة أكثر من 400 ألف ضحية، أغلبها من تركة سلطات النظام المقبور.
ويستذكر العراقيون يوم المقابر الجماعية، في 16 أيار، وهو اليوم الذي أقره مجلس الوزراء عام 2007، وتقدر السلطات العراقية أن حوالي 250,000 الى مليون شخص في عداد المفقودين في البلد نتيجة الصراع وانتهاكات لحقوق الإنسان لأكثر من أربع عقود.
“الروتين يهدد بزوال الأدلة”
وقال المدير التنفيذي لمنظمة “ستختنك دفندرز” لحقوق الإنسان، الدكتور علي البياتي، في تصريح صحفي، إن “ملف المقابر الجماعية من أعقد الملفات في العراق، وهو ملف متراكم، وأعداد هذه المقابر في تزايد منذ عقود بسبب الأزمات والكورث، فضلاً عن غياب الاستقرار والعنف الذي يخلق دائماً ضحايا يتم قتلهم بشكل جماعي ودفنهم في مقابر الجماعية، وهي دلائل على وجود جرائم بشعة ارتكبت من قبل مجاميع معينة تصنّف ضمن جرائم دولية، وهنالك مسؤوليات كبيرة على عاتق الدولة وعاتق المنظمات المجتمع الدولي في التعامل مع هذا الملف”.
وأكد، أن “من الواضح أن الملف لم يأخذ الأولوية اللازمة، فالمهم في هذا الملف التعامل السريع والاستجابة من قبل المؤسسات المحلية والدولية، ما يُسهم في الحفاظ على الأدلة في هذه الجرائم”، موضحاً بأن “تأخرها بكل تأكيد سيُسهم في اختفاء الدلالات في هذه الجرائم لتحقيق العدالة”.
ونوّه البياتي، بأن “العراق – وعلى الرغم من وجود قانون ينظم عمل إدارة وفتح المقابر الجماعية ووجود مؤسسة مختصة وفريق يعمل في هذا المجال – إلا أن القانون فيه جانب إجرائي روتيني بالإضافة إلى قوانين أخرى تتعلق بضحايا المقابر الجماعية من جانب الضرر، لكن الجانب المهم الذي نراه يتعلق بتطبيق العدالة والمساءلة، وهو غائب في القوانين العراقية التي ليس فيها تجريم لمن يرتكب جرائم ويتسبب بقتل جماعي وإبادة جماعية ومقابر جماعية”، وبيّن أن “هذه ثغرة في القوانين، بالإضافة إلى تقصير استجابة الدولة بإعداد فريق كامل موازٍ لحجم المقابر وأعدادها وعدد الضحايا الموجودين فيها، وضعف وقلّة حجم الميزانيات المخصصة لكشف وفتح هذه المقابر والتحقيق فيها”.
وأكد، أن “الجانب الدولي أيضاً لم يتواجد في العراق بشكل جيد للعمل في هذا الملف، والسبب يتعلق بضعف التعامل مع المؤسسات الدولية الرسمية المختصة في هذا الملف، حيث رصدنا وجود خلل في إقامة علاقات ثابتة ورسمية تسمح لهذه المؤسسات والمنظمات بالعمل، وتُسهم في تدريب الكوادر العراقية وتوفير متطلبات العمل في هذا المجال”، مبيناً أن “تراجع العلاقة بين الدولة وتلك المؤسسات الدولية، يوثر سلباً في تحقيق العدالة والإنصاف لذوي ضحايا المقابر الجماعية”.
على خطى البعث
خلال سطوته على نحو ثلث البلاد بعد حزيران عام 2014، خلف التنظيم الإرهابي تركة ثقيلة تمثلت بعشرات المقابر الجماعية التي لا يزال يتم الكشف عنها بين فترة وأخرى، ضمن مقابر للإيزديين والمسلمين والمسيحيين، ورجال الأمن.
ووفق تقرير صادر عن بعثة الأمم المتحدة في العراق “يونامي” عام 2018، فإنها وثقّت وجود 202 موقع للمقابر الجماعية لضحايا “داعش” في محافظات نينوى وكركوك وصلاح الدين (شمالا) والأنبار (غربا).
وتشير تقديرات الأمم المتحدة إلى أن عدد الضحايا في المقابر الجماعية يتراوح بين 6 و12 ألفا، إذ لا تزال السلطات المحلية العراقية تستخرج رفات الضحايا تدريجياً.
وأعلن العراق عام 2017 تحقيق النصر على داعش باستعادة كامل أراضيه، التي كانت تقدر بنحو ثلث مساحة البلاد اجتاحها التنظيم صيف 2014.
وكانت دائرة شؤون المقابر الجماعية في مؤسسة الشهداء أجرت كشفاً فنياً اولياً على عدد من المقابر في محافظة كركوك بإشراف مباشر من قبل رئيس مؤسسة الشهداء عبد الإله النائلي وتنفيذاً للمهام الموكلة للدائرة، بموجب أحكام قانون شؤون وحماية المقابر الجماعية رقم 13 لسنة 2015 حيث قامت كوادر الدائرة بإجراء الكشف الفني الأولي لعدد من المقابر الجماعية المكتشفة حديثاً في محافظة كركوك، فقد تم اجراء الكشف عن أربع منها هي: (مقبرة قاعدة البكارة، ومقبرة غابات البعير، ومقبرة قرية المصنعة، ومقبرة قرية الصيادة).
كما زار فريق الكشف الموقع الاول لمقبرة “غابات البعير” وأعاد تقييمها، وأن جميع أعمال الكشف والتوثيق هذه تمت برفقة وحماية القوات الامنية الماسكة للأرض.
كما سيتم إدخال المقابر أعلاها والخاضعة لقانون شؤون وحماية المقابر الجماعية في قاعدة بيانات الدائرة لغرض إدراجها ضمن الخطط السنوية للفتح والتنقيب وتحديد هوية الضحايا.
“صائدو الأفاعي”
فيما أفاد رئيس المركز الإستراتيجي لحقوق الإنسان في العراق، فاضل الغراوي، يوم الخميس، بأن 85 مقبرة جماعية لضحايا النظام السابق لم يتم فتحها لغاية الآن، مشيراً إلى أن هذه المقابر تمثل جرائم إبادة جماعية ممنهجة ارتكبها النظام بدوافع طائفية بقصد “الإفناء الكلي”.
وقال الغراوي في بيان إن “العدد الكلي للمقابر الجماعية المثبتة في العراق يبلغ 215 مقبرة، تم فتح 130 مقبرة منها لغاية الآن وما زال 85 مقبرة غير مفتوحة، كما تم رفع 7367 رفاة منها”.
وأضاف أن “العدد الكلي لمواقع مقابر جرائم النظام السابق بلغ 95 موقعاً، فتح منها 79 موقعاً والمتبقي 16 موقعاً لم يتم فتحها لغاية الآن، في حين بلغ عدد المقابر المفتوحة”.
وتابع الغراوي “أما العدد الكلي لمواقع المقابر الجماعية لضحايا الإرهاب المثبت، فقد بلغ 120 موقعاً فتح منها 51 موقعاً والمتبقي 69 موقعاً، وعدد المقابر المفتوحة منها بلغ 130 مقبرة وتم رفع 3078 رفاة منها”.
وأكد أن “العديد من مواقع المقابر الجماعية غير المكتشفة ما زالت تحتاج إلى مسح عن طريق الأقمار الصناعية، وأهم التحديات التي تحول دون فتح المقابر الجماعية لغاية الآن هي قلة الموارد البشرية، والمعدات التخصصية، والتخصيصات سواء المتعلقة بفتح المقابر أو بإجراءات المطابقة من قبل الطب العدلي، وكذلك قلة مخصصات الخطورة لفريق المقابر الجماعية الذي يعمل في ظروف قاسية وخطرة وأصيب العديد منهم بمشاكل صحية معقدة بسبب تعاملهم مع رفاة المقابر الجماعية، كما أن العديد من مواقع المقابر الجماعية تقع في أماكن خطرة أمنياً أو في أطراف الصحراء، أو في تضاريس معقدة مثل موقع جريمة سبايكر، أو موقع مقبرة بئر علو الذي سيتم المباشرة بفتحها قريباً بالاستعانة لأول مرة بصائدي الأفاعي”.