كما في كل عام شارك، الجمعة الماضية، مئات آلاف الإيرانيين في مسيرات “يوم القدس العالمي” رافعين الأعلام الإيرانية والفلسطينية وأعلام حركات المقاومة وسط هتافات “الموت لإسرائيل ولأميركا”، وهو الهتاف ذاته الذي يردده الإيرانيون منذ 45 عاماً، وهو تاريخ الحكم الإسلامي الحديث في إيران، بقيادة ما يُعرف بـ”ولاية الفقيه”.
لكن التطورات الإقليمية حوّلت المناسبة إلى حدث ذي أهمية قصوى لطهران، فقد شنت إسرائيل، قبل المسيرة بأربعة أيام، غارة على مجمع سفارة إيران في دمشق وسوّته بالأرض، مما أدی إلی مقتل 7 ضباط في الحرس الثوري، بينهم قائد العمليات العسكرية الإيرانية في سوريا ولبنان العميد محمد رضا زاهدي، ونائبه محمد هادي حاجي رحيمي.
وتتوقع الأوساط التحليلية والسياسية والأمنية الدولية، أن إيران سترد على القصف الإسرائيلي، لا سيما وأن المرشد الإيراني على خامنئي قد توعد بذلك، بنفسه، إلا أن أوساط أخرى تعتقد أن الإيرانيين سيكتفون بالتهديدات فقط، وأن الجمهورية الإسلامية التي تدعم فصائل مقاومة في كثيرٍ من البلدان، قد تكتفي بالتظاهرات والتنديد.
وذكرت صحيفة “وول ستريت جورنال”، اليوم الجمعة أن إسرائيل تستعد لهجوم مباشر من إيران في جنوب أو شمال إسرائيل خلال 48 ساعة القادمة، ووفقا للتقرير، فإن القيادة في طهران ناقشت خطط الهجوم، لكنها لم تقرر بعد كيفية المضي قدما فيه.
وقال مسؤول أميركي ليلة الخميس إن تقارير المخابرات الأميركية تشير إلى أن الهجوم الإيراني قد يكون على الأراضي الإسرائيلية، وليس على أهداف إسرائيلية في الخارج.
ونقلت الصحيفة عمن قالت إنه مستشار لقوات الحرس الثوري الإيراني قوله إن الحرس الثوري وضع أمام المرشد الأعلى للبلاد آية الله علي خامنئي عدة خيارات لضرب المصالح الإسرائيلية، موضحا أن السيناريوهات قيد النظر وتشمل هجوما مباشرا على إسرائيل بصواريخ متطورة متوسطة المدى.
وذكرت وول ستريت جورنال أن حسابات على وسائل التواصل الاجتماعي قريبة من الحرس الثوري نشرت في الساعات الماضية مقاطع فيديو تظهر محاكاة لهجمات صاروخية على مطار حيفا الإسرائيلي ومنشأة ديمونا النووية، مشيرة إلى أن مسؤولا إيرانيا كان قد قال في وقت سابق إن إيران ستضرب محطات الكهرباء وتحلية المياه الإسرائيلية إذا تعرضت للهجوم.
ونقلت الصحيفة عن المستشار المذكور قوله إن خامنئي لا يزال يقيم المخاطر السياسية لهذه الضربة في ظل القلق من أن الهجوم المباشر قد يأتي بنتائج عكسية إذا اعترضت إسرائيل المقذوفات وردت بانتقام واسع النطاق يشمل البنية التحتية الإستراتيجية لإيران.
ونقلت الصحيفة عن مصادر لم تسمها قولها إن ثمة احتمالا بأن تقوم إيران وحلفاؤها أيضًا بمهاجمة منطقة الجولان أو حتى قطاع غزة لتجنب هجوم داخل الأراضي الإسرائيلية المعترف بها دوليًا.
وقال هؤلاء الأشخاص إن الخيار الآخر هو ضرب السفارات الإسرائيلية، ولا سيما في العالم العربي، لإظهار أن العلاقات الودية مع تل أبيب قد تكون مكلفة.
في حين أن وزير الخارجية الإسرائيلي يسرائيل كاتس، أكد أن إسرائيل ليست خائفة من رد إيران على الهجوم على القنصلية الإيرانية في العاصمة السورية دمشق.
وقال الوزير في مقابلة مع صحيفة “لا ريبوبليكا” الإيطالية: “لم تعلن إسرائيل مسؤوليتها عن الهجوم على دمشق، لكن إيران قالت إنها سترد علينا”. وأضاف: “هذا لا يخيفنا. لا نريد الحرب مع إيران، لكن إذا هاجمونا بشكل مباشر فسنرد”.
ولا تريد واشنطن أن تتوسع الحرب في المنطقة، لكنها تتوقع هجوماً إيرانياً على إسرائيل، ليس كبيراً بما يكفي لجر واشنطن إلى حرب، وذلك وسط أنباء تفيد بأن طهران وضعت سيناريوهات الرد، وأن المرشد علي خامنئي يعكف على دراسة مخاطرها السياسية، فيما تستعد تل أبيب لهجوم على شمالها أو جنوبها، خلال الـ24 أو 48 ساعة المقبلة.
وقال البيت الأبيض في وقت سابق إن واشنطن “لا تريد أن تتسع رقعة الصراع في الشرق الأوسط”، وإن الولايات المتحدة أبلغت طهران بأنها “لم تشارك في الضربة الجوية التي قتلت القائد العسكري الإيراني الكبير محمد رضا زاهدي في قنصليتها بدمشق، كما حذر البيت الأبيض إيران من استخدام هذا الهجوم “ذريعة” لمزيد من التصعيد في المنطقة، وفق “رويترز”.
بالرغم من ذلك، أفادت صحيفة “يديعوت أحرونوت” العبرية، بأن إيران أجلت هجوما ضد إسرائيل في اللحظة الأخيرة بسبب التحذيرات الأمريكية لكنه لا يزال “متوقعاً”.
ونقلت الصحيفة عن مسؤول أمريكي، قوله إن “الولايات المتحدة تتواصل مع الإيرانيين عبر ما وصفها بالقنوات السرية، مشيراً إلى واشنطن تبعث رسائل لطهران تحذرها من مهاجمة إسرائيل، مضيفاً أن الزيارة الحالية لقائد القيادة الوسطى الأمريكية إلى إسرائيل والمنطقة، كانت مقررة قبل القصف الإسرائيلي على سفارة طهران في دمشق.
وقال: رصدنا خلال الأيام الماضية تحركات عسكرية إيرانية مرتبطة بهجوم محتمل على إسرائيل، وأن المؤشرات التي بحوزتنا تدل على أن إيران تتحضر لمهاجمة إسرائيل قريبا لكن الأمور قد تتغير”.
وكان وزير الخارجية الإيراني حسين عبد اللهيان قال إنه “تم إرسال رسالة واضحة وصريحة إلى البيت الأبيض عبر السفارة السويسرية في طهران، ولا يمكن لواشنطن أن تتنصل من مسؤوليتها في دعم إسرائيل”.
وكان الرئيس الأمريكي جو بايدن، قد أشار الأربعاء الماضي، إلى أن الولايات المتحدة “لا تزال ثابتة بشأن التزامها بحماية إسرائيل” في مواجهة التهديدات الإيرانية.
وأضاف بايدن في مؤتمر صحفي بالبيت الأبيض، أن إيران “تهدد بشن هجوم كبير على إسرائيل في أعقاب مقتل جنرالات إيرانيين في القنصلية الإيرانية في دمشق الأسبوع الماضي”.
مصادر عربية، على تواصل مع مسؤولين إيرانيين، يقولون إن “الولايات المتحدة طلبت من إيران ممارسة ضبط النفس وإفساح مجال للدبلوماسية وحذرت طهران من أنها ستقف إلى جانب إسرائيل في حالة وقوع هجوم مباشر مضيفة أن إيران تعتقد أن نتنياهو يستهدف استدراج طهران إلى حرب، ولذلك قد يكون ردها محسوبا ويتجنب توجيه ضربات مباشرة إلى إسرائيل، وقد يشارك فيه حلفاء طهران”.
ويبدو أن الساعات المقبلة، قد تبيَّن النية الإيرانية، في وقتٍ تتواصل فيه جهود وزراء ورؤساء عربي وأجانب، بنقل الرسائل من وإلى إيران، تحثها على تقليص التوتر مع إسرائيل، وأن الولايات المتحدة قد توافق على إحياء المحادثات النووية إذا كان يمكن لذلك أن يحول دون اشتعال الموقف.
