لم يعد “اشاعات” على مواقع التواصل الاجتماعي أو مادة إعلامية تجترها القنوات الفضائية عبر البرامج السياسية، ولا أخباراً مستنقاة من مصادر “غير معلومة” تمررها قنوات التليكرام التابعة للأضداد من كل الأطراف، بل بات وجود تحركات لإعلان الإقليم السني “أمراً فعلياً” وذلك وفق بيان حكومي رسمي أصدره المكتب الخاص برئيس هيئة الحشد الشعبي فالح الفياض.
ويوم الخميس (29 شباط 2024)، زار الفياض محافظة الأنبار، للاطلاع على أوضاع المحافظة، ولولا صورة واحدة، لما كشفت النية “الفعلية” وراء ذهاب رئيس هيئة الحشد الشعبي إلى معقل السنة غربي العراق، فقد أثار “حضن” الفياض بالشخصية الأنبارية علي السليماني الذي يعرف نفسه بأنه “أمير قبائل الدليم”، عاصفة من الانتقادات على وسائل التواصل الاجتماعي.

وتداول ناشطون في وسائل التواصل الاجتماعي الصور التي جمعت الفياض بالسليماني معبرين عن “أسفهم من أن يكون رئيس هيئة الحشد الشعبي هو من يسلم على شخص قال مرة (أزين شاربي أذا طب الحشد للأنبار)”.
ورأى آخرون أن “السليمان كان واحداً من المحرضين على دماء الأبرياء، حيث حوّل وسائل الإعلام إلى منصات تدعو لمواجهة الحشد الشعبي ورجال العراق الذين لبوا فتوى مرجعهم في الدفاع عن العراق أيام سقوط ثلثي أرضه بيد تنظيم داعش الإرهابي”.
الانتقادات توسّعت، والكل يتساءل عن “الأمر الذي دعا الفياض للاجتماع بشخص مثل علي السليمان، الملاحق قضائياً”، لينبري المكتب الإعلامي للفياض ببيان تحدث فيه عن “أسباب خطيرة” ذهب بموجبها الفياض إلى الأنبار وبتوجيه مباشر من القائد العام للقوات المسلحة رئيس الوزراء محمد شياع السوداني.
إلا أن البيان “تزلزل” كما حدث مع صورة “حضن الفياض وعلي السليمان”، ومع نشره في مجموعات الواتس آب، والتأكيد ضمنياً على أنه “بيان رسمي”، نفت منصّات مقربة من الحشد مضمون البيان، وقالت عنه إنه “مزوّر”، فيما تواصلت منصة “إيشان” مع المكتب الإعلامي للفياض، الذي أجاب، أن “الكتاب مزوّر، ونفيه بشكل رسمي لا يستحق”.

وعلى الجانب المقابل، نشرت قناة “العهد” التابعة لعصائب أهل الحق، أن “البيان مزوّر”، وفي نفس الوقت، نشرت أخبارا عاجلة، عن مضامين البيان الذي جاء فيه سبب زيارة الفياض إلى الأنبار، ولقائه بعلي حاتم السليمان.
رواية مكتب الفياض
وجاء في البيان الذي تعرض للنفي والتأكيد، أن لقاء الفياض بالشخصية الأنبارية، علي حاتم السليمان، “لم يكن مخططاً له”.

وأضاف: ” لم نعلم بوجود السليمان في المضيف الذي اجتمع فيه رئيس هيئة الحشد الشعبي، بزعامات عشائر الأنبار”، من أجل أمر جلل.
ورداً على الانتقادات التي طالت الفياض، قال البيان المُتداول، إن “بعض الصفحات والقنوات الصفراء في مواقع التواصل الاجتماعي، تداولت خبرا مزورا عن زيارة الفياض إلى سليمان بمنزله في الأنبار، وفي الحقيقة نريد أن ننوه بأن زيارة رئيس الهيئة إلى الأنبار كانت بتوجيه مباشر من قبل رئيس الوزراء محمد شياع السوداني”.
وأوضح، أن “زيارة الفياض للأنبار جاءت من أجل بحث ومتابعة آخر المستجدات الأمنية في المناطق المحررة حفاظاً على وحدة العراق من المشاريع الداعية إلى تمزيق وحدته والتي تحاك من قبل بعض أعدائه من الداخل خفاءً”، منبّهاً إلى أن “هناك لجهات تحاول الإعلان عن ما يسمى بالإقليم السني”.
الحلبوسي بمكاتب الرئاسات
وقبل البيان المُتزلزل، الذي جاء رداً على انتقادات لقاءه بالسليمان، والذي أكد وجود “تحركات جدية لتمزيق وحدة العراق وإعلان الإقليم السني”، استقبل رؤساء الجمهورية والوزراء ومجلس القضاء رئيس حزب تقدم محمد الحلبوسي، الأمر الذي يؤشر بأن السلطات العليا تخشى “فعلياً” من أن يكون هناك من يريد الذهاب بإقليم سني، حسب القراءات السياسية.
وخلال لقاء الحلبوسي برئيس الجمهورية عبد اللطيف رشيد، تحدث الأول عن “أهمية توحيد الصفوف بين القوى العراقية؛ من أجل الحفاظ على سيادة البلد، وتحقيق أهداف التنمية الشاملة”، مشيدا بـ”طروحات رئيس الجمهورية الداعمة لانتخاب رئيس جديد لمجلس النواب؛ من أجل أداء المجلس لمهماته الوطنية”.
وأكد رئيس الجمهورية بحسب البيان الذي نشره مكتب الحلبوسي، على، أن”المرحلة الحالية تتطلب المزيد من التنسيق والتعاون المشترك بين جميع القوى والكتل الوطنية لترسيخ الاستقرار السياسي والأمني في العراق، ومواجهة التحديات الإقليمية والدولية وبما يعزز السلم والأمن لشعبنا وشعوب المنطقة”.
وقبل رشيد، التقى الحلبوسي يوم أمس، رئيس مجلس الوزراء محمد شياع السوداني، وبحث معه وفق بيان رسمي “الأوضاع العامة في البلاد، وأهمية دعم الحكومة في إتمام برنامجها التنفيذي، ومحاور أولوياتها الأساسية التي تعدُّ خارطة طريق لإصلاح شامل في العراق على مستوى القطاعات الحيوية المهمة، والتأكيد على أهمية الإسراع في حسم الاستحقاقات الدستورية، وفي مقدمتها انتخاب رئيس جديد لمجلس النواب”.
ومن السوداني ورشيد، انطلق رئيس حزب تقدم محمد الحلبوسي، إلى رئيس مجلس القضاء الأعلى فائق زيدان، وبحث معه بحسب البيان الرسمي، “أهمية اختيار رئيس مجلس نواب جديد، والمقترحات القانونية لانتخابه، وضرورة حسم الأمر من القوى السياسية؛ لإكمال الاستحقاقات السياسية والدستورية المتعلقة بمنصب رئيس مجلس النواب”.
وفي وقت سابق من شباط الماضي، اعتبر رئيس مجلس القضاء الأعلى فائق زيدان، أن فكرة انشاء أقاليم أخرى في أي منطقة في العراق “مرفوضة”، مؤكدا انها تهدد وحدة العراق وأمنه، وذلك خلال استقباله محافظ الانبار محمد نوري الكربولي ورئيس مجلس المحافظة عمر مشعان دبوس.
وبحسب البيان الصادر عن القضاء، فإن “المحافظ ورئيس مجلس المحافظة أبديا استعدادهم للتعاون مع القضاء في كافة المجالات، كما تم التأكيد على حرص أبناء المحافظة على وحدة العراق ورفض الأفكار التي تمس وحدة العراق التي يروج لها البعض لغايات سياسية بحتة بعيدة عن واقع وقناعات أبناء المحافظة”.
وبهذا الخصوص، أوضح رئيس المجلس أن “الواقع الجغرافي والقومي لإقليم كوردستان موجود قبل نفاذ دستور جمهورية العراق سنة 2005 وتحديداً سنة 1991 اثر غزو الكويت وما نتج عنه من اثار سلبية بسبب السياسات الفاشلة للنظام السابق” واستدرك: أن “إقليم كوردستان له وضع خاص معترف به من جميع أبناء الشعب العراقي وان الدستور تضمن الاحكام الخاصة بتنظيم الأقاليم الى ان ظروف صياغة الدستور في حينه تغيرت الآن ومعظم من كانت لديه القناعة بهذه الاحكام مقتنع الان بضرورة تغييرها قدر تعلق الأمر ببقية المحافظات عدا إقليم كوردستان بحكم وضعه الخاص”.
وتابع زيدان، أن “فكرة انشاء أقاليم أخرى في أي منطقة في العراق مرفوضة لانها تهدد وحدة العراق وامنه”، مؤكدا على “دعم إدارة المحافظة الجديدة في الوقوف ضد أي أفكار تهدد وحدة وسلامة امن العراق”.
ويتساءل العراقيون عن “السبب الرئيس” الذي جعل الفياض، يلتقي بعلي حاتم السليمان المعروف بمواقفه السابقة عن الحشد الشعبي، وعن صلته بإنضاج فكرة الإقليم السني في الأنبار.
وبعد كل صِدام بين القيادات السياسية، يبرز الحديث عن فكرة “الإقليم السني”، ويلوّح به بعض الأطراف “سلاحاً” للانفصال عن المركز، مُحتكمين به إلى الدستور العراقي الذي يكفل فكرة إنشاء الأقاليم.
ماذا يقول الدستور؟
وتنص المادة (116) من الدستور العراقي، على أنه: “يتكون النظام الاتحادي في جمهورية العراق من عاصمة واقاليم ومحافظات لامركزية وادارات محلية”
وتضمنت المادة 119 من الدستور أيضاً:
يحق لكل محافظة أو اكثر تكوين اقليم بناء على طلب بالاستفتاء عليه، يقدم بإحدى طريقتين :
أولاً: طلب من ثلث الاعضاء في كل مجلس من مجالس المحافظات التي تروم تكوين الاقليم .
ثانياً: طلب من عُشر الناخبين في كل محافظة من المحافظات التي تروم تكوين الاقليم.
