لم تنخفض أسعار اللحوم في العراق، قبيل شهر رمضان كما وعدت به الوزارات والجهات الحكومية ذات العلاقة، بل زادت خلال أيام الشهر الفضيل، ليختفي “اللحم العراقي” من السفرة الرمضانية، وضاع بين اللحوم المستوردة والمشبوهة.
ومع توالي ارتفاع أسعار اللحوم في الأسواق العراقية مع بداية شهر رمضان، وفي ظل تصاعد شكاوى المستهلكين من ذلك حيث يزداد الاقبال على شراء اللحوم، لكونها تدخل ضمن المكونات الأساسية لمختلف الأكلات الشعبية التقليدية في المطبخ العراقي وعلى الموائد الرمضانية.
ووفقا للأسواق العراقية ومحال بيع المواد الغذائية، فقد تراوحت أسعار الكيلوغرام الواحد من لحوم الغنم والبقر، ما بين 19 ألف إلى 23 ألفا (ما يعادل من 13 إلى 16 دولار أميركي )، بزيادة وسطية تقارب نحو 5 آلاف دينار للكيلو قياسا بأسعار ما قبل رمضان، وهو مبلغ كبير يثقل كاهل العوائل والأسر العراقية وخاصة المتوسطة والكبيرة منها .
يقول مواطن من بغداد “أسرتي تتكون من 6 أفراد، والكيلو الواحد من اللحم بالكاد يكفي لإعداد طبخة فطور رمضاني واحدة، علما أن سعر الكيلو يفوق 20 ألف دينار.
ويضيف “التشريب والقوزي والأكلات التي تحتوي على اللحم العراقي باتت خارج السباق الرمضاني، إنها لم تعد تاجاً للمائدة، بسبب الغلاء الفاحش وتحليق أسعار اللحوم”.
وفي مسعى حكومي لضبط انفلات أسعار اللحوم، أكدت وزارة الزراعة العراقية الاثنين، اتخاذها جملة إجراءات للسيطرة على ارتفاع أسعار اللحوم بالأسواق المحلية.
ويقول الوكيل الإداري لوزارة الزراعة مهدي الجبوري إن “القطاع الزراعي بشقيه النباتي والحيواني تأثر انتاجه بشكل ملموس بسبب شح المياه وأزمة التغيرات المناخية، وعلى وجه الخصوص الحيوانات المنتجة المتمثلة بالأغنام والأبقار والجاموس والماعز”، لافتا إلى أن “تذبذب وارتفاع أسعار اللحوم في الأسواق المحلية يعود لقلة المراعي الطبيعية والأعلاف، بالإضافة لارتفاع الطلب عليها، ما أدى إلى ارتفاع أسعارها خلال الأشهر الماضية”.
واتخذت الوزراء جملة من الإجراءات لخفض أسعار اللحوم، منها: “تقديم الأعلاف لمربي الثروة الحيوانية ودعمهم بالذرة الصفراء، إذ إن هذه الخطوات ستكون كفيلة بخفض الأسعار وحماية الحيوانات النادرة مثل غزال الريم والصقور والطيور المتواجدة في مناطق الأهوار”. و “تخصيص مبالغ مالية ضمن قانون الأمن الغذائي وموازنة العام الحالي لإعادة تأهيل الواحات والغابات والمحميات الطبيعية العائدة لدوائر الوزارة.
معلقون في الشبكات الاجتماعية العراقية يعتبرون ما يحدث من ارتفاع كبير وغير مبرر لأسعار اللحوم ومختلف المواد والسلع الغذائية والاستهلاكية، استغلالا من قبل التجار والشركات لارتفاع الطلب عليها مع حلول رمضان، مطالبين الجهات الرقابية المختصة بوضع حد لذلك.
التهريب.. رصاصة الرحمة بالثروة الحيوانية
وبالإضافة إلى ضعف الإجراءات والخطط الحكومية في تنمية الثروة الحيوانية، داخل العراق، إلا أن هناك عبء إضافي بات يتحمله الاقتصاد العراقي، يتمثل بتهريب أعداد كبيرة من المواشي، كالأبقار والأغنام، من دول الجوار إلى داخل العراق، وبالتالي تعرض مربي المواشي إلى خسائر كبيرة، في ظل فارق الأسعار اللافت باللحوم، بين المحلّي والمهرّب، والذي يصل إلى نحو 50%.
مربو الأبقار والأغنام في محافظة ميسان أبدوا امتعاضهم من وجود عمليات تهريب لتلك المواشي عبر الحدود العراقية – الإيرانية، وسط غياب لإجراءات صارمة تحد من عمليات التهريب هذه، رغم تأكيد الحكومة أنها تقوم بدوريات دائمية لإيقاف التهريب، ليس في ميسان وحدها، بل في كافة المحافظات العراقية الحدودية.
المواشي المهربة باتت تباع من قبل مهربيها داخل أسواق المواشي المحلية في المحافظات، وبالتالي فإنها تؤثر على مهنتهم، في ظل فارق الأسعار، حيث تشير المعلومات إلى أن المهربين يجلبون الأغنام عبر الحدود الإيرانية ويعرضونها فإنها تعرض في الأسواق المحلية بسعر 500 ألف دينار، في حين يبلغ بسعر 50 إلى 75 ألف دينار عراقي، بينما سعر رأس الغنم المحلي يتراوح بين 150 إلى 200 ألف دينار، أما الأبقار سعرها محلياً بنحو مليون دينار.
حكومة ميسان المحلية ذكرت مؤخراً أنه تم الحد من عمليات التهريب بشكل كبير، بعد نصب كاميرات مراقبة وتوزيع مفارز أمنية على الشريط الحدودي وفي الأهوار المشتركة مع إيران، لكن مربي المواشي يؤكدون استمرار التهريب عبر وسائل مختلفة.
وتقر بوجود عمليات تهريب للمواشي من عدد من دول الجوار، وبكميات كبيرة، وبالتالي تؤثر سلباً على الاقتصاد العراقي، حيث قال المتحدث باسم وزارة الزراعة العراقية السابق حميد النايف أن “الوزارة منعت استيراد اللحوم”، منوّهاً إلى أن “عمليات التهريب تجري من كافة المناطق الحدودية، مثل الحدود العراقية مع سوريا، ومع إيران، ومع تركيا”.
النايف أوضح أن “الوزارة أصدرت بياناً رسمياً، طالبت فيه الجهات الأمنية بالضرب بيد من حديد على كل المهربين، سواء كانت محاصيل زراعية أو لحوم حيوانات وأسماك”، مشدداً على أن “عمليات التهريب هذه أضرت بشكل لافت بالاقتصاد وبالمجتمع العراقي”.
بدوره، رأى الخبير الاقتصادي ناصر الكناني، أن تهريب المواشي من دول الجوار إلى العراق، له سلبيات وايجابيات في الوقت نفسه، مشيراً إلى أن هذه الدول لا تهرّب مواشيها فقط إلى العراق، بل تلجأ أحياناً إلى أن تكون ممراً لتهريب المواشي من دول أخرى إلى العراق.
الكناني قال ايضاً إن “المواشي المهربة تدخل بكميات كبيرة من دول إيران وتركيا وسوريا، بل في بعض الأحيان تكون هذه الدول ممراً لتهريب المواشي واللحوم من أوكرانيا إلى العراق”.
وعزا الخبير الاقتصادي ناصر الكناني، تهريب هذه الدول المواشي إلى العراق، لكون عملتها ضعيفة، وبالتالي فإن بيع هذه المواشي في بلدانها لا يحقق الأرباح المنتظرة، لذلك تلجأ إلى بيعها في العراق، على اعتبار أن أسعارها في العراق أعلى من تلك البلدان، فضلاً عن تحقيق المهربين فائدة اقتصادية من فارق العملة، والتي تكون عمليات البيع والشراء فيها من خلال الدولار الأميركي.
دعم حكومي في شراء الأعلاف، يسهم بشكل كبير في رفع أسعار المواشي في الأسواق المحلية، وبالتالي تسببهم بخسائر إضافية.