تعد بعثة الأمم المتحدة أو “يونامي” سياسية خاصة، أسست بموجب قرار مجلس الأمن الدولي، وكانت طرفاً فاعلاً مراقباً لكل ما شهدته البلاد طوال الـ20 عاماً الماضية، تقتضي مهمتها مساعدة الحكومة في تحقيق أولويات التنمية الوطنية والالتزامات الإنمائية الدولية، ومن ثم رفع التقارير الدورية التي تقدم كـ”إحاطات” لمجلس الأمن الدولي عبر الأمين العام.
ويرأس “يونامي” مبعوث خاص يسميه الأمين العام، وكان أول المعينين في هذا المنصب البرازيلي سيرجو فييرا دي ميلو، وهو دبلوماسي سامٍ للأمم المتحدة في العراق، لكن سرعان ما اغتيل مع 22 موظفاً في تفجير مقر البعثة في بغداد في الـ19 من أغسطس (آب) 2003 أي بعد أشهر على تسلمه مهمته، واتهم تنظيم “القاعدة” بالوقوف وراء الحادثة، ليتولى بعده الأخضر الإبراهيمي رئاسة البعثة، ليكون أول وآخر عربي ينال هذا المنصب.
وكانت مهمة البعثة الأممية في العراق عسيرة، لضمان ألا تكون طرفاً في النزاع، وهي مكونة من 700 موظف بحسب آخر تعداد، يتقاضون رواتبهم من المنظمة الدولية.
وكان الاحتلال مسوغاً قانونياً لوجودها، وفق ميثاق وشرعة الأمم المتحدة التي تفرض واجب الإشراف وتسيير أمور البلدان التي تحتل، لإبقاء وجودها الوطني وضمان حقوق مواطنيها، وتسيير الحياة اليومية ومراقبة ما يجري فيها وإحاطة العالم بذلك.
ويقوم موظفو البعثة أيضاً بعمل حثيث للتدخل للحؤول دون اندلاع النزاعات بين مختلف الأطراف في البلد، وتقديم إحاطات دورية كل ثلاثة أشهر لمجلس الأمن عن الحالة العراقية، وإصدار بيانات أممية تصف ما تتعرض له البلاد لا سيما في الأوضاع الملتهبة التي شهدها العراق في ظل ست حكومات متعاقبة.
وتأتي مطالبة رئيس الحكومة محمد شياع السوداني أخيراً البعثة الأممية بإنهاء عملها وعدم التجديد لها لانتفاء الحاجة إلى خدماتها، من خلال مطالبة رسمية بعث بها ممثل العراق لدى الأمم المتحدة، إلى الأمين العام أنطونيو غوتيريش باسم رئيس الوزراء العراقي وجاء فيها أنه “يطلب فيها من بعثة الأمم المتحدة لمساعدة العراق إنهاء مهمتها في العراق بحلول الـ31 من (كانون الأول) 2025 وتسليم جميع القضايا إلى مؤسسات الحكومة العراقية”.
وفي حين قد يكون مستغرباً الطلب أن يسدل الستار على وجود الأمم المتحدة في العراق بعد 20 عاماً من الرقابة الدولية على بلد معرض في أي ساعة إلى اندلاع حرب، لكن يبدو أن التطمينات التي تلقاها السوداني، وفق مراقبين عراقيين، من واشنطن خلال زيارته الأخيرة جعلته يتجرأ على المطالبة بوقف عمل البعثة الأممية وإنهاء مهمة رئيستها جنين أنطوانيت هينيس بلاسخارت، التي كانت الحاضرة الدائمة في مشهد الأحداث العراقية لست سنوات مضت، بعدما تولت مهمتها كمبعوثة سامية في أغسطس 2018 لتسجل أطول مدة في تاريخ المنصب السامي في بلاد الرافدين.
ملاحظات كثيرة تجمعت حول البعثة الأممية في العراق كحصيلة سلوكها السياسي فيه، وهي التي تتخذ من مكتب صغير مقيد الحركة في بغداد قرب السفارة الأميركية، مقراً لها داخل المنطقة الخضراء، إضافة إلى مكتب كبير لموظفيها في أربيل، وهي تعمل في بلد من أعقد بلدان العالم اتخذت المنظمة الدولية عشرات القرارات ضده، وشملته بعقوبات لم تسرِ على بلد آخر منذ غزو الكويت، وكبدته غرامات وتعويضات غير مسبوقة في تاريخ المنظمة الدولية كان آخرها وضع كل إيراداته النفطية تحت البند السابع والمراقبة الدولية، حتى إنه لا يتمكن من الإنفاق على أي عقد تبرمه الحكومة، من دون تقديم طلب مسبق للبنك الدولي في نيويورك، مع شرح مفصل للعقد المطلوب ومبررات التعاقد، ليؤذَن له بالحصول على المبلغ المراد.
البعثة الأممية.. 700 موظف يواجهون الترحيل من العراق
