“كلشي ولا أبونا”.. هكذا تفاعل العراقيون مع إعلام الكيان، الذي وضع المرجع الديني الأعلى، السيد علي السيستاني، ضمن قائمة الاغتيالات التي تريد “إسرائيل” تنفيذها، لكنها حملت ردود فعل، ارتدّت على الاحتلال، ولم تنفعه.
الصورة التي حملت سهماً على وجه السيد السيستاني، فجّرت غضباً شعبياً وحكومياً وسياسياً، ولم يقبل العراقيون الإساءة إلى سيد النجف، الذي طالما دعا المجتمع الدولي إلى إيقاف ما سمّاهم بـ “الوحوش” في بياناته التي ينشرها، بعد أن يشن الاحتلال عدوانه المتكرر على فلسطين ولبنان.
فتوى الإغاثة
لم يقف السيد السيستاني متفرّجاً إزاء الأحداث، وأطلق ما سمّاه العراقيون بـ “فتوى الإغاثة” التي تدعو إلى مساعدة اللبنانيين والفلسطينيين، لتنطلق بعدها قوافل التبرعات صوب الأراضي المُحاصرة.
“سنقتلع الكيان من الأرض، إذا مسَّ السيد السيستاني”، بهذه الطريقة علّق الكثير من مستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي على الخبر الذي جعلهم يتحدون ضد الكيان الصهيوني، لتنعكس عليه محاولة شن ضربة ضمن الحرب النفسية والإعلامية.
تحليل الواقع
المعطيات، أظهرت أن الكيان الصهيوني يحاول بث “الرعب” في نفوس الشيعة، عبر استهداف الزعيم الأكبر للطائفة، السيد علي السيستاني، لكن العراقيين، رأسهم حار، وواجهوا الإشاعة بإعلانهم “الاستعداد للدخول إلى المعركة، والزحف نحو الأراضي المحتلة، إذا استهدفوا السيد علي السيستاني”، وفق ما قاله الكثير منهم.
التحليل الآخر، له رأي يقول، إن “الكيان تلقى ضربات موجعة من قبل شيعة لبنان واليمن والعراق، وحاول أن يبعث تهديداً لهم، بأنه سيستهدف زعيم الطائفة إذا استمرت الضربات الموجعة التي يتلقاها من كل مكان”.
ويرى متابعون قرأوا ما وراء نشر الصورة، أن “العدو لا يريد الدفاع والحفاظ على أمنه العسكرى فقط وإلا لكانت الأطراف المسـ__لحة هي أهدافه فقط، وهو يستهدف الشيعة عموماً لا فرق لديه بين شيعة العراق وشيعة إيران، أو بين مقلدي السيد السيستاني ومقلدي السيد الخامنئى”، وهذا ما يؤكد توحيد الصف الشيعي بمواجهة الكيان الصهيوني.
حرب نفسية
بحسب آراء محللين آخرين، فإن الصورة كانت مخصصة للحرب النفسية، لكن الحكومة العراقية لم يكن أمامها إلا أن تدخل على الخط، وتجدد وصفها للكيان الصهيوني، بأنه “جماعة إجرامية تعتاش على اختلاق الأزمات وتغذية العدوان والحروب”.
مواقف رسمية
لم تكتفِ الحكومة بوصف الكيان بـ “الجماعة الإجرامية”، لكنها دعت الأمين العام للأمم المتحدة، ومجمل المحافل الأممية والدولية، إلى “رفض واستنكار كل ما يمسّ مشاعر المسلمين في العالم”.
الناطق باسم الحكومة العراقية باسم العوادي، قال في بيان تلقته “إيشان”: “بعد أن أوغل الكيان الصهيوني بحرب الإبادة الجماعية، وارتكب الجرائم المفضوحة ضدّ الإنسانية، وممارسته علناً القتل والعدوان في غزة ولبنان، يأتي الدور على وسائل إعلامه المحرّضة والعنصرية، في محاولة رخيصة للإساءة إلى صورة المرجعية الدينية العليا”.
وأضاف العوادي، أن “الحكومة العراقية ترفض بأشدّ العبارات أي مساسٍ بمكانة مرجعيتنا، التي تحظى بتقدير واحترام كل الشعب العراقي، والعالمينِ العربي والإسلامي، والمجتمع الدولي، وتحذر من خطورة هذه المحاولات المُستندة إلى خلفية فكرية عنصرية، وأسس أمعنت في الاستهتار بمقدّسات الشعوب، ما يشجع على توسيع دائرة العدوان ويعرض الأمن والسلم الدوليين إلى تهديد حقيقي”.
وتابع: “يُثبت الكيان الصهيوني، مرّة أخرى، بأنّه ليس سوى جماعة إجرامية تعتاش على اختلاق الأزمات، وتغذية العدوان والحروب، وتزداد عُزلته يوماً بعد آخر، وما المواقف الشعبية والدولية في العالم الرافضة لسلوكه إلّا تأكيد لهذا المنحى العدواني”.
وأكمل: “انطلاقاً من هذه الوقائع، ندعو الأمين العام للأمم المتحدة، ومجمل المحافل الأممية والدولية، إلى رفض واستنكار كل ما يمسّ مشاعر المسلمين في العالم، ومحاولات النيل من الشخصيات ذات التأثير والاحترام العالمي”.
واختتم: “لقد بذل العراق، حكومةً وشعباً، كلّ الجهود من أجل إيقاف الحرب، إلّا أن الكيان وحكومته المتطرفة، إضافةً إلى فشل المجتمع الدولي، قد تسبب بتفاقم الأوضاع، واليوم يحاول نشر الإساءات للتغطية على الجرائم الواضحة، وهو ما نرفضه بالمجمل، ونعدّه عدواناً خطيراً، لن يغير من موقف العراق الثابت والمبدئي إزاء كل القضايا المصيرية”.
حتى رئاسة الجمهورية، بدت قلقة من فعل الكيان، وعدّته “تعدياً يؤدي إلى توسيع دائرة الخطر والعنف، ويعرض المنطقة إلى المزيد من الاقتتال”، داعية المجتمع الدولي إلى “التحرك الفاعل وإبداء مواقف عاجلة في رفض أي دعوات للكراهية بين الشعوب”.
كما أكدت الرئاسة في بيان ورد لـ “إيشان”، الجمهورية في بيان تلقته وكالة الأنباء العراقية (واع): “ندين بأشد العبارات المساس الذي طال المرجعية العليا في العراق والعالم من خلال وسائل إعلام الكيان المحتل”، لافتة إلى أنه “نرفض مثل هذه الإساءات لمقام المرجعية ونؤكد ضرورة احترام المقدسات لكل الأديان والمذاهب إسلامية كانت أو غير إسلامية”.
وتابعت الرئاسة سعي العراق الى “تعزيز الجهود من أجل إيقاف العدوان على فلسطين ولبنان”، مبينة موقف العراق الثابت والمبدئي من “قضية فلسطين العادلة وحق شعبه في تقرير مصيره وإقامة دولته على كامل ترابه الوطني”.
المحلل السياسي عباس الموسوي، يؤكد، أن “استهداف إعلام الكيان الصهيوني لصورة المرجع الديني الأعلى السيد علي السيستاني، يحمل أكثر من رسالة واحدة منها أن المعركة التي يقودها نتنياهو بقتل الأبرياء والأطفال هي اجتثاث كل الأفكار الواعية التي تقف بوجه الكيان المحتل”.
وأكمل، أن “وجود صورة السيد السيستاني في الاستهداف هي رسالة خطرة من قبل الكيان الصهيوني، ودليل على أن نتنياهو لا يقف أمام المحرمات وقتله لآلاف الأطفال والعوائل وهدمه للدور واستهداف العلماء والقيادات ولم يردعه أحد”.
وأضاف، أن “هذا الموضوع بحاجة إلى وقفة حقيقية من الشارع العراقي والشيعي والإسلامي من اجل ردع هذا المجرم وتحويله الى المحاكم، حيث أن الأمر يحتاج إلى تظاهرات كبيرة لاستنكار وضع صورة سماحة المرجع في الاستهداف”.
أما المحلل السياسي أحمد الياسري فقد أوضح، أنه “لا يوجد أحد خارج نطاق الاستهداف الصهيوني”، مستدركاً أن “الكيان المحتل لديه حساسية من السيد السيستاني لأن مواقفه وبياناته بخصوص القضية الفلسطينية هي تبين موقف المدرسة النجفية التي لديها رؤية بالحروب الصليبية والقضية الفلسطينية منذ العلامة الحلي والى يومنا هذا”.
واستطرد بالقول: “السيد السيستاني رجل دين مستقل ومرجع ديني أعلى وليست له علاقة بالسياسة وليس هدفا حربيا، ويعد أبرز مرجع ديني في الحوزة النجفية، وداعماً للقضية الفلسطينية حيث دائما ما يصدر بيانات بشأن المجازر التي تحصل”.
ونوه: “في قضية لبنان مؤخرا السيد أصدر بياناً للدعم الإنساني، وهناك جهات خارجية وداخلية تحاول خلق نوع من أنواع الضغط النفسي على الشيعة لاستهداف رمز من رموزهم خاصة السيد السيستاني يمثل رمزية عالية لكل الشيعة في العالم”.
ومضى بالقول: إن “عملية إقحام السيد السيستاني بهذا الموضوع هو استفزاز لمشاعر كل الشيعة في العالم ،والكيان الصهيوني لا يريد أن يدخل خصومة مع كل شيعة العالم”.
أما عن الجانب السياسي، فقد قال الأمين العام لحركة عصائب أهل الحق قيس الخزعلي: “مرة أخرى يكشف العدو الصهيوني الغاصب عـــن وقاحته واستهتاره وتجاوزه لكل القيم والأعراف ومحاولاته الخبيثة؛ لتفكيك الوحدة الإسلامية وثوابتها ومقدساتها من خلال وسائل إعلامه الخبيثة الموجهة”.
وأضاف الخزعلي، أنه “على العدو الصهيوني أن يعي جيداً، أن المساس بالمرجعية الدينية، في النجف الأشرف، متمثلة بسماحة آية الله العظمى السيد السيستاني، هو مساس بكل المؤمنين في كل العالم، ونحن نعتقد أنهم أحقر وأدنى من ذلك، ولكن حتى لا تذهب بهم الأوهام بعيداً، فليعلموا أن نتيجة هكذا أفعال رعناء، تعني نهايتهم ونهاية كل من يدعمهم بأي أنواع الدعم”.
السيد السيستاني، كانت له بيانات متلاحقة حول أفعال الاحتلال الإسرائيلي، وآخرها، كان قد صدر بعد استشهاد الأمين العام لحزب الله، السيد حسن نصر الله.
وقال السيد السيستاني في بيان اطلعت عليه “إيشان”: “تلقّينا ببالغ الأسى والأسف نبأ استشهاد العلامة حجة الإسلام والمسلمين السيد حسن نصر الله وكوكبة من إخوانه في المقاومة اللبنانية الشريفة وعشرات المدنيين الأبرياء في المجزرة المفجعة التي اقترفها جيش العدو الإسرائيلي في ضاحية بيروت العزيزة”.
وأضاف: “لقد كان الشهيد الكبير انموذجاً قيادياً قلّ نظيره في العقود الأخيرة، وقد قام بدور مميز في الانتصار على الاحتلال الإسرائيلي بتحرير الأراضي اللبنانية، وساند العراقيين بكل ما تيسر له في تحرير بلادهم من الإرهابيين الدواعش، كما اتخذ مواقف عظيمة في نصرة الشعب الفلسطيني المظلوم حتى دفع حياته الغالية ثمناً لذلك”.
وتابع: “وإننا إذ نتقدم بأصدق التعازي وبالغ المواساة للشعب اللبناني الكريم ولسائر الشعوب المظلومة في هذا المصاب الجلل والخسارة الكبرى نتضرع الى الله العلي القدير أن يتغمد الفقيد السعيد بواسع رحمته ورضوانه ويجمعه بأوليائه محمد وآله الطاهرين في أعلى عليين، ويلهم أهله وجميع المفجوعين بفقده الصبر والسلوان. وإنا لله وإنا إليه راجعون”.
وفي الـ 23 من أيلول الماضي، وحين صار الاحتلال يوغل بقتل اللبنانيين، وبعد تفجير أجهزة البيجر تحديداً، نشر السيد السيستاني بياناً قال خلاله: “في هذه الأيام العصيبة التي يمر بها الشعب اللبناني الكريم، حيث يتعرض بصورة متزايدة للعدوان الإسرائيلي الغاشم وبأساليب متوحشة، شملت تفجير أعداد كبيرة من أجهزة الاتصالات الشخصية ونحوها، واستهداف مساكن مكتظة بالمواطنين حتى من النساء والأطفال، وشنّ غارات مكثفة على عشرات القرى والبلدات في الجنوب والبقاع، مما أسفر – لحد الآن – عن استشهاد وجرح أعداد كبيرة من المقاومين الأبطال وغيرهم من المدنيين الأبرياء وتهجير عشرات الآلاف عن مساكنهم ومنازلهم”.
وأضاف البيان: “تعبّر المرجعية الدينية العليا عن تضامنها مع أعزتها اللبنانيين الكرام ومواساتها لهم في معاناتهم الكبيرة، رافعة أكفّ الضراعة إلى الله العلي القدير أن يرعاهم ويحميهم ويدفع عنهم شر الأشرار وكيد الفجّار، وأن يشمل شهداءهم الابرار بالرحمة والرضوان ويمنّ على الجرحى والمصابين بالشفاء العاجل”.
وتابعت: “وإذ تطالب ببذل كل جهدٍ ممكن لوقف هذا العدوان الهمجي المستمر وحماية الشعب اللبناني من آثاره المدمرة، تدعو المؤمنين إلى القيام بما يساهم في تخفيف معاناتهم وتأمين احتياجاتهم الإنسانية”.
وفي بيان آخر، نُشِرَ في العاشر من آب الماضي، قال السيد السيستاني: “مرة أخرى ارتكب جيش الاحتلال الإسرائيلي مجزرة كبرى في قطاع غزة الأبية باستهداف من تؤويهم (مدرسة التابعين) من النازحين والمشرَّدين، أدّت الى سقوط أعداد كبيرة من المدنيين الأبرياء بين شهيد وجريح، في جريمة مروعة تضاف الى سلسلة جرائمه المتواصلة منذ ما يزيد على عشرة أشهر”.
وأضاف: “وقد اشتملت في المدة الأخيرة على عمليات اغتيال غادرة استهدفت قيادات بارزة في مقاومة الاحتلال وأدّت إلى استشهاد عدد منهم، وقد خرق بها سيادة عدد من دول المنطقة، وزادت بذلك مخاطر وقوع مصادمات كبرى فيها تتسبب لو حدثت – لا سمح الله – في نتائج كارثية على مختلف دول هذه المنطقة وشعوبها”.
وتابع إن “الكلمات لتقصر عن إدانة هذه الجرائم النكراء التي باءت بآثامها وحوش بشرية تجرّدوا من كل القيم الإنسانية والمبادئ السامية، ومن المؤسف أنهم يحظون بدعم غير محدود من عدد من الدول الكبرى يمنع من أن تطبق عليهم القوانين الدولية الخاصة بمرتكبي الجرائم ضد الإنسانية”.
وأكمل: “إننا ندعو العالم – مرة أخرى -للوقوف في وجه هذا التوحش الفظيع ومنع تمادي قوات الاحتلال عن تنفيذ مخططاتها لإلحاق مزيد من الأذى بالشعب الفلسطيني المظلوم، كما ندعو الشعوب الإسلامية – خاصة – الى التكاتف والتلاحم للضغط باتجاه وقف حرب الإبادة في غزة العزيزة وتقديم مزيد من العون إلى أهلها الكرام”.