أحد القادة التاريخيين لحركة المقاومة الإسلامية (حماس) ومن أبرز مؤسسي جناحها العسكري كتائب عز الدين القسام، وصف بأوصاف كثيرة، منها الملثم ذو “الأرواح السبعة” ومهندس الاشتباك من “نقطة صفر”، و”مرعب الصهاينة”، وقد أفزع المستوطنين وأرعبهم بقوته وجرأته، وبعملياته العسكرية، وكان كابوسا يقض مضجع إسرائيل. أفلت على مدار سنتين من مطاردات قوات الاحتلال، حتى وصفه رئيس الوزراء الإسرائيلي (حينها) إسحاق رابين بالأسطورة.
المولد والنشأة
ولد عماد حسن إبراهيم عقل، الملقب بـ”أبو حسين”، يوم 19 يونيو/حزيران 1971 لأسرة متدينة، بمخيم جباليا شمال قطاع غزة، الذي هاجر إليه أهله عقب حرب 1948 من قرية برعير القريبة من المجدل.
واختار له والده -الذي كان يعمل مؤذنا في مسجد الشهداء بمخيم جباليا- اسم عماد تيمُّنا بعماد الدين زنكي، القائد المسلم الذي قهر الصليبيين في القرن السادس الهجري/الـ12 الميلادي.
الدراسة والتكوين
درس عماد المرحلة الابتدائية والإعدادية بمخيم جباليا، وتميز باجتهاده وترتيبه، وكان ضمن الأوائل بين زملائه. انتقل بعدها إلى ثانوية الفالوجة وحصل عام 1988 على شهادة الثانوية العامة وحاز الرتبة الأولى على مستوى ثانويته وفي بيت حانون والمخيم.
واختار بعدها دراسة الصيدلة وقدم أوراقه لمعهد الأمل بمدينة غزة، لكن الاحتلال الإسرائيلي اعتقله يوم 23 سبتمبر/أيلول 1988 سنة ونصف السنة، وأوقف مساره الدراسي الجامعي.
وبعد الإفراج عنه في مارس/آذار 1990، قدم عماد أوراقه لكلية حطين بالعاصمة الأردنية- قسم الشريعة للموسم الدراسي 1991-1992. وتم قبوله، لكن قوات الاحتلال منعته من السفر للأردن.
المسار النضالي
بدأ عماد مسار المقاومة وهو طالب في الثانوية بالمشاركة في الانتفاضة الفلسطينية الأولى عام 1987 (انتفاضة الحجارة التي تزامنت مع انطلاق حركة حماس يوم 14 ديسمبر/كانون الأول 1987) وخط الشعارات المناهضة للاحتلال على الجدران وشارك في المظاهرات والمسيرات وفعاليات الانتفاضة، وحفز غيره من الشباب على الانخراط فيها ومواجهة المستوطنين والتصدي لجرائمهم.
واعتقلته قوات الاحتلال يوم 23 سبتمبر/أيلول 1988، وتمت محاكمته بتهمة الانتماء لحماس ومشاركته في الانتفاضة. وبعد خروجه من السجن في مارس/آذار 1990، التحق عماد بكتائب عز الدين القسام، وانتخب بداية عام 1991 ضابط اتصال بين “مجموعة الشهداء” وهي أول مجموعة للجناح العسكري لحماس.
وتمكنت مجموعة الشهداء بقيادة عماد من تنفيذ عمليات عسكرية ضد دوريات القوات الإسرائيلية وجها لوجه من مسافة الصفر، كما استهدفت المتعاونين مع تلك القوات وغنمت منهم السلاح لاستعماله في عملياتها، لكن قوات الاحتلال تعرفت على أسماء أعضاء هذه المجموعة بعد اعتقالها عضوين يحاولان عبور الحدود بين فلسطين المحتلة ومصر قرب مدينة رفح يوم 26 ديسمبر/كانون الأول 1991، وعذبتهما. فأصبح عماد المطلوب الأول للمخابرات الإسرائيلية ووحداتها الخاصة.
وقد أتقن عماد التخفي، وتمكن من الانتقال من معبر إيريز من القطاع إلى الضفة المحتلة يوم 22 مايو/أيار 1992، فاستقر بمدينة القدس ولحق به أعضاء مجموعته، وشكل مجموعات أخرى لكتائب القسام بالضفة الغربية، وأعلن عنها في أكتوبر/تشرين الأول 1992 بعملية ضد سيارة عسكرية في محافظة الخليل، أصابت ضابطا و3 جنود من قوات الاحتلال، وعملية أخرى بعد 4 أيام استهدفت معسكرا للجيش الإسرائيلي قرب المسجد الإبراهيمي، فقتلت جنديا وأصابت آخر بجراح بليغة.
وبعد اعتقال عدد من مقاتلي كتائب عز الدين القسام بالضفة، عاد عماد إلى القطاع يوم 13 نوفمبر/تشرين الثاني 1992 رغم اشتداد قبضة قوات الاحتلال الإسرائيلي في مدن ومخيمات القطاع ردا على تصاعد عمليات الكتائب.
وقد دفع فشل مختلف محاولات القوات المذكورة، بكل تشكيلاتها وأجهزتها الوصول إلى عماد، رئيسَ وزراء إسرائيل (حينها) رابين للاتصال بأهله ومساومتهم، وعرض عليهم خروج ابنهم إلى مصر أو الأردن على أساس العودة بعد 3 سنوات دون تقديمه للمحاكمة، فرد عليهم عماد بقوله “إن رابين لا يستطيع أن يمنع شابّا قرر أن يموت”.
ومن بين عملياته -التي تجاوز عددها 40 عملية- ضد قوات الاحتلال، قتل عماد يوم 25 نوفمبر/تشرين الثاني 1992 ببندقيته في حي الشجاعية بمدينة غزة 3 جنود بينهم ضابط كبير، وأعاد الكرة في مارس/آذار1993 في جباليا وغرب حي الشيخ رضوان، حيث استهدف ثلاثة وأرداهم قتلى.
وأمام تزايد تلك العمليات وتزايد عدد الجنود الذين قتلهم، بات عماد المطلوب رقم واحد لقوات الاحتلال التي بدأت تعتدي على كل شاب يحمل اسم عماد. لكنه لم يتوقف عن عملياته ورفض طلب مسؤوليه مغادرة غزة، وأجابهم بمقولة الشيخ عز الدين القسام “سأبقى في فلسطين حتى أنال الشهادة وأدخل الجنة، هذا جهاد نصر أو استشهاد”.
وفجر يوم 12 سبتمبر/أيلول 1993، قاد عماد عملية مسجد مصعب بن عمير، قتل فيها 3 جنود بينهم ضابط، وغنم سلاحهم. وكانت أول عملية توثقها كتائب القسام بالكاميرا، وعلق عليها رابين بقوله “أتمنى لو أستيقظ من نومي فأجد غزة وقد ابتلعها البحر”.
وبعد مطاردة عماد لأكثر من عامين من قوات الاحتلال، وإفلاته من قبضتها وحواجزها مرات عديدة، حاصرته وعدد من رفاقه قوات مكونة من 60 مدرعة صباح الأربعاء 24 نوفمبر/تشرين الثاني 1993 بمنزل في حي الشجاعية. ولم يستسلم المحاصَرون وتبادلوا إطلاق النار مع قوات الاحتلال، واستشهد عماد ومن كان معه بعد إصابته في وجهه بقذيفة مضادة للدروع، الأمر الذي اعتبرته إسرائيل إنجازا هللت له وأقامت له الأفراح.
وكان الشهيد عماد أول من استخدم بندقية “الكارلو” ورسم أسلوبا جريئا في مواجهة قوات الاحتلال عبر إستراتيجية “النقطة الصفر” ونصب الكمائن، التي مكنت المقاومة من استعمال سلاح العدو والمتعاونين معه (العملاء) في محاربتهم، بالإضافة إلى تصوير العمليات بالكاميرا وتصوير قتلى قوات الاحتلال لاستعمال ذلك في الحرب النفسية.
تكريم
تم تخليد ذكرى عماد -الذي دخل تاريخ المقاومة الفلسطينية من بابه الواسع بإنجازاته خلال 3 سنوات فقط- بكتاب حمل عنوان “عماد عقل أسطورة الجهاد والمقاومة” لمؤلفه غسان دوعر، والذي نشر عام 1994 متطرقا لسيرته الحافلة.
كما تم تكريمه بفيلم روائي سينمائي بعنوان “عماد عقل.. أسطورة المقاومة” الذي أنتج عام 2009، وكان باكورة أعمال سينمائية تهدف لتوريث القضية الفلسطينية للأجيال القادمة وتوثيق تاريخها وأعلامها.
الوفاة
استشهد عماد عقل عن عمر لم يتجاوز 22 عاما في حي الشجاعية شمال قطاع غزة، الأربعاء 24 نوفمبر/تشرين الثاني 1993.