بينما كان محمد الحلبوسي، يرأس إحدى جلسات البرلمان، ويمسك بمطرقته دون أي قلق، صدر قرار من المحكمة الاتحادية العليا، كان ضربةً قويةً يتلقاها الشاب الذي يطمح لأن يكون زعيم البيت السني.
قرار إنهاء عضوية الحلبوسي من البرلمان، أبعده عن المشهد السياسي قليلاً، وجاء قبل أيام قليلة من الانتخابات المحليّة التي اشترك بها حزبه تقدم، ليتلقى الأخير ضربة خسارة بعض الجماهير.
انتصر ليث الدليمي على الحلبوسي في المعركة القضائية، حين كسب الدعوى التي قدّمها أمام المحكمة الاتحادية العليا، وأدانت الأخير بـ “التزوير”، وهي من الجرائم المخلّة بالشرف، والتي ستُبعده عن أي منصب في الدولة.
تقلّبات حياته
ولد محمد ريكان حديد الحلبوسي الدليمي في الرابع من كانون الثاني 1981 في قضاء الكرمة بمحافظة الأنبار (غربي العراق) ذات الأغلبية السنية.
حصل على شهادة البكالوريوس في الهندسة المدنية من الجامعة المستنصرية عام 2002، وماجستير في الهندسة من الجامعة نفسها عام 2006، وكان عنوان موضوع الرسالة “نمذجة صراع مركبات المشاة في الشارع الشرياني باستخدام نهج المحاكاة”.
بعد تخرجه، أسس الحلبوسي شركة “الحديد المحدود”، ونفذ عددا من مشاريع البنية التحتية بالفلوجة، أبرزها بشكل خاص تصميم وتنفيذ منظومة الصرف الصحي في الفلوجة.
بدأ الحلبوسي مشواره السياسي عبر المجالس البلدية والمحلية في الأنبار، وكان عضوا في حزب الحركة الوطنية للإصلاح والتنمية (الحل) بزعامة رجل الأعمال جمال الكربولي.
انتقل بعد ذلك إلى الواجهة السياسية ضمن صفوف ائتلاف “متحدون” للإصلاح، ومن خلال النقلة الأخيرة تمكن من الوصول إلى البرلمان.
وفي أول انتخابات برلمانية منذ الانسحاب الأميركي عام 2011، وثالث انتخابات منذ الغزو الأميركي عام 2003، فاز الحلبوسي بمقعد في البرلمان عن دائرة محافظة الأنبار بانتخابات البرلمان عام ٢٠١٤.
في تموز 2017، تمت إقالة صهيب الراوي من منصب محافظ الأنبار، وبعدها بأيام قلائل وتحديداً في 29 آب من العام نفسه، تم انتخاب الحلبوسي خليفة له ليستقيل من البرلمان ويتفرغ لمنصب المحافظ الذي استمر فيه حتى انتخابه مرة أخرى نائبا، بعد ما قاد قائمة “الأنبار هويتنا” بالانتخابات التشريعية.
وفي 15 أيلول 2018، تم انتخاب الحلبوسي رئيساً للبرلمان ليكون أصغر رئيس برلمان في تاريخ العراق، حيث كان عمره آنذاك 34 سنة.
في 12 أيلول 2019 تأسس “حزب تقدم” رسميا بقيادة الحلبوسي وعلي فرحان الدليمي ويحيى المحمدي، وأعلن هويته بأنه “تشكيل سياسي ليبرالي مدني ركيزته الأساسية الهوية العراقية، يؤمن بمدنية الدولة واحترام حقوق الإنسان”.
وفي عام ٢٠٢١، “حلّ” تقدم ثانياً في الانتخابات البرلمانية، بعد حصده 42 مقعداً، بعد الكتلة الصدرية بزعامة مقتدى الصدر.
وعقب تشكيل التحالف الثلاثي مع الصدر ومسعود بارزاني، انتخب مجلس النواب الحلبوسي رئيسا للمرة الثانية على التوالي، بأغلبية 200 صوت من أصل 228، مقابل 14 صوتا لمنافسه محمود المشهداني.
وفي بداية عام 2023، صار الحلبوسي رئيساً للاتحاد البرلماني العربي، لكنه لم يكن يعلم بأن هناك قراراً ينتظره في تشرين الثاني من العام نفسه، ستصدره المحكمة الاتحادية، وتنهي عضويته من البرلمان، ومنافسته السياسية.
عودة الحلبوسي للمشهد
بقيَ الحلبوسي غير مؤثر عقب إقالته من البرلمان، بدعوى التزوير، إلا أن منصبه الذي تركه بقي شاغراً، ولم يمنحه لخصومه من سياسيي السنة، وخاصة سالم العيساوي.
أصرّ الحلبوسي على إبقاء منصب رئاسة البرلمان لصالح تقدم حصراً، إلا أنّه لم يستطع تحقيق ذلك عبر شعلان الكريم الذي كان مرشح الحزب، وأعلن انسحابه في وقت لاحق.
لم يكن للحلبوسي خيارٌ، سوى أن يتجه إلى دعم ترشيح المشهداني ليتولى منصب رئاسة مجلس النواب، واصطفّ مع الإطار التنسيقي وتحديداً، نوري المالكي، ليتحدوا خلف المشهداني ويدعموه بأن يصبح رئيساً لمجلس النواب.
قبل جلسة رئاسة البرلمان بيوم واحد، قال الحلبوسي متحدياً: “لا يمكن أن يصبح أي مرشح رئيساً للبرلمان، من دون أن يحصل على دعم تقدم”، وهو ما تحقق في اليوم التالي، حين صار المشهداني رئيساً لمجلس النواب في 31 تشرين الأول 2024.