في مشهد وصفه نواب بـ”المخيب للآمال”، تحولت الجلسة الاستثنائية التي دعا لها مجلس النواب العراقي، اليوم الاثنين، لمناقشة فاجعة حريق الكوت، إلى جلسة تداولية، بعد أن فشل البرلمان في تحقيق النصاب القانوني المطلوب لانعقادها رسميًا.
وترأس الجلسة بدايةً النائب محمود المشهداني، ثم تولى إدارتها لاحقًا النائب الأول محسن المندلاوي. وبينما خلا مقعد رئاسة الحكومة ووزارة الداخلية ومحافظة واسط من أي تمثيل، عُلّقت داخل قاعة الجلسات صور ضحايا الحريق، في محاولة رمزية لتذكير النواب بحجم الفاجعة.
ورغم تصاعد الدعوات الشعبية لإجراءات حازمة بعد الحريق الذي التهم “هايبر ماركت”، في الكوت، وراح ضحيته أكثر من 60 شخصًا بينهم نساء وأطفال، إلا أن الجلسة عجزت عن إصدار أي قرارات ملزمة، بعد أن حضرها فقط 128 نائبًا، فيما يتطلب عقد الجلسات الرسمية حضور 165 نائبًا على الأقل.
غياب حكومي واسع
غاب عن الجلسة كل من رئيس مجلس الوزراء، ووزير الداخلية، ومحافظ واسط، فضلًا عن مدير الدفاع المدني. وهو ما أثار استياءً واضحًا لدى العديد من النواب، ودفع بعضهم إلى مقاطعة الجلسة احتجاجًا، معتبرين الغياب الحكومي “تجاهلًا لمأساة إنسانية غير مسبوقة”.
وقال النائب رائد المالكي، خلال مؤتمر صحفي أعقب الجلسة، إن البرلمان طلب رسميًا حضور الجهات التنفيذية المعنية، لكن الدعوة اقتصرت فقط على النواب والمتحدثين. وأضاف: “الكلمات التي ألقيت داخل القاعة لا تعبّر عن حجم المأساة”، محملًا المحافظين، لا سيما في العاصمة بغداد، مسؤولية الجهل الواضح بواجباتهم في إدارة الأزمات والوقاية منها.
وأكد المالكي ورود معلومات من وزارة الداخلية تفيد بأن بعض المحافظات لم تعقد أي اجتماعات للدفاع المدني، في مؤشر على ما وصفه بـ”الإهمال المؤسسي المتراكم”، الذي أدى إلى فاجعة الكوت، مطالبًا بإجراءات حقيقية وليس مجرد بيانات تعزية.
البرلمان يعترف بالإخفاق
من جانبه، أشار النائب الأول لرئيس مجلس النواب، محسن المندلاوي، إلى أن البرلمان “لن يتهاون في محاسبة المقصرين”، مؤكدًا أن تكرار حوادث الحرائق “يستدعي تفعيل الرقابة على مؤسسات الدولة وتعزيز إجراءات السلامة”.
لكن رغم النبرة المتشددة، لم تصدر الجلسة سوى توصية بتشكيل لجنة نيابية لمتابعة الحادث، وتوجيه لمؤسسة الشهداء بشمول ضحايا الحريق بقانونها، ما اعتبره مراقبون إجراءً شكليًا في ظل غياب أدوات التنفيذ.
“بدأت أكبر عملية ترميم للحادث”
على هامش الجلسة، كتب النائب حسين عرب منشورًا لافتًا، وصف فيه ما جرى في الكوت بأنه “جريمة حقيقية”، مضيفًا أن التستر على المقصرين يمثل “جريمة أكبر”. وقال: “بدأت أكبر عملية ترميم للحادث حتى لا يُحاسب أحد”، في إشارة إلى ما اعتبره محاولات لتخفيف حدة المطالبات بالمساءلة.
أما النائب عدنان الزرفي، فذهب إلى أبعد من ذلك، معتبرًا أن “طريقة مناقشة الملف في البرلمان اليوم تؤكد التواطؤ بين بعض الأطراف السياسية”، مضيفًا أن مأساة الكوت “تحدٍّ حقيقي للنظام السياسي”. وشدد الزرفي على أن تجاهل نتائج التحقيقات في الحوادث السابقة وغياب المحاسبة أدى إلى تكريس الفساد والإهمال.
الشارع يشتعل والسلطة تتلكأ
جاءت الجلسة في وقت تشهد فيه محافظة واسط احتجاجات واسعة، تطالب بإقالة المحافظ وقائد الشرطة، وتحميلهما مسؤولية ما جرى. وليل أمس، أغلق متظاهرون غاضبون مبنى الحكومة المحلية في الكوت، في تصعيد واضح للغضب الشعبي الذي يحمّل السلطات مسؤولية الإهمال وسوء الاستجابة.
وكان الحريق قد اندلع مساء الأربعاء الماضي في “هايبر ماركت” وسط مدينة الكوت، أثناء ذروة التبضع، وسط معلومات عن غياب تدابير السلامة الأساسية. وأظهرت مقاطع مصورة النيران وهي تلتهم الطوابق العليا للمبنى بسرعة هائلة، بينما فشلت فرق الدفاع المدني في السيطرة على الحريق خلال ساعاته الأولى.
تحوّل الجلسة إلى “تداولية” يعكس مرة أخرى حالة العجز المزمن داخل المؤسسة التشريعية، حيث لم تفلح حتى الكوارث الإنسانية الكبرى في استحضار الجدية الكافية من غالبية النواب.
ومع تكرار هذا السيناريو في كل أزمة، تتصاعد التساؤلات حول جدوى البرلمان في إدارة ملفات حساسة تمس حياة المواطنين، وسط مخاوف من أن تنتهي مأساة الكوت، كما انتهت غيرها، دون محاسبة حقيقية.