اخر الاخبار

العراقيون المحتجزون في السعودية.. نائب يؤكد المتابعة قبل أشهر وآخر يكشف: عددهم تسعة

  أكد النائب أمير المعموري، اليوم الأربعاء، أن موضوع المحتجزين...

قضية د.بان.. أكاديمي يعلن “گوامة عشائرية” ضد زيدان والسوداني والعيداني

أعلن الأكاديمي (أستاذ العلوم السياسية) رائد العزاوي، في تدوينة...

ذات صلة

من المالكي إلى السوداني.. قرارات انتخابية نشرت التجاوزات وأغرقت مشاريع استراتيجية

شارك على مواقع التواصل

في السياسة العراقية، تتكرر القاعدة غير المعلنة قبل كل موسم انتخابي: الاقتراب من الفقراء والمستضعفين عبر قرارات تبدو إنسانية، لكنها في جوهرها تُغلق باب الدولة أمام مشاريع استراتيجية وتعمّق الفوضى العمرانية.

قرار مجلس الوزراء الأخير في 10 آب 2025 برئاسة محمد شياع السوداني مثال صارخ على ذلك. الحكومة عدّلت قرارها رقم (20 لسنة 2025) ليشمل بيع الأراضي السكنية المملوكة للبلديات للمتجاوزين الذين شيدوا دوراً قبل 10 كانون الأول 2024، مع تقسيط بدل البيع على 20 سنة، وإلغاء شرط الاستفادة السابقة، وإطفاء أجر المثل. صيغة تبدو رحيمة، لكنها عملياً تمنح شرعية للتجاوز وتشجع على تكراره، وتغلق الطريق أمام مشاريع البنى التحتية التي تتعطل أمام جدار العشوائيات.

الخنساء.. نموذج انتخابي قديم

التاريخ يعيد نفسه، لكن هذه المرة بأسماء مختلفة. ففي زمن حكومة نوري المالكي، وتحديداً مع اقتراب انتخابات 2014، كان مشروع خط مجاري الخنساء واحداً من أكبر المشاريع الاستراتيجية في بغداد. المشروع الذي بدأ عام 2008 بكلفة 105 مليارات دينار، كان مصمماً ليخدم أحياء واسعة من الرصافة، وينهي معاناة الفيضانات، لكنه اصطدم بالتجاوزات السكنية على مساره.

في كانون الأول 2012، ومع ضغوط انتخابية واحتجاجات من سكان العشوائيات، وافقت لجنة الخدمات النيابية على تغيير مسار الخط بدلاً من إزالة التجاوزات.

القرار جاء بعد اجتماعات حضرها أمين بغداد آنذاك ومسؤولون في دوائر التخطيط والماء والمجاري، وكان التبرير أن التغيير سيسمح باستمرار العمل دون “إثارة غضب المواطنين”. لكن النتيجة كانت كارثية: المشروع فقد جدواه الفنية، ولم يكتمل حتى اليوم، فيما غرقت بغداد مراراً بمياه الأمطار والصرف الصحي.

قصة مشروع خط مجاري الخنساء تعكس بوضوح كلفة هذه القرارات قصيرة الأمد. المشروع الذي أطلق عام 2008 بكلفة 105 مليارات دينار، كان يفترض أن يكتمل خلال ثلاث سنوات، ليمتد 12 كم من محطة الحبيبية إلى محطة المعالجة في الرستمية، ويخدم أحياء العبيدي والكمالية والمشتل وبغداد الجديدة والبلديات، ويضع حداً لمشكلة الفيضانات في جانب الرصافة.

السير في الطريق نفسه

بدلاً من معالجة التجاوزات بشكل جذري، أو ربط تمليك الأراضي بخطط لإزالة العشوائيات وفتح مسارات المشاريع، أقرّ قراراً يمنح المتجاوزين حق التملك بالتقسيط، ويلغي القيود السابقة، ويمحو ديونهم. القرار من شأنه أن يرضي شريحة واسعة من المواطنين قبيل أي استحقاق سياسي مقبل، لكنه يترك أثره السلبي على المدى الطويل.

يتفق الكثير من المختصين، على أن “تجربة الخنساء أثبتت أن القرارات التي تتخذ برؤية انتخابية قصيرة الأمد تُحوِّل مشاريع بمليارات الدنانير إلى أطلال صدئة”.

ويستذكر المختصون مشروع الخنساء، الذي دُفِن قبل أن ينفع أهالي مناطق الرصافة وشرق القناة، بسبب التجاوزات، ويقارنون بالقرار الأخير الذي صدر من السوداني، قبل أشهر قليلة من انتهاء عمر الحكومة، ويتوقعون أن “تُدفن الكثير من المشاريع الجديدة، قبل ولادتها، بسبب التجاوزات”.

في مشهد يذكّر بماضي الخنساء، عاد المشروع إلى طاولة مجلس الوزراء في جلسة ترأسها السوداني في أيلول ٢٠٢٤. الجلسة شهدت استضافة أمين بغداد لمناقشة تنفيذ الخط الناقل الرئيسي ومرافقه، بطاقة 200 ألف متر مكعب يومياً، مع وحدة معالجة ومحطة رفع.

صوّت المجلس على اعتبار تنفيذ هذه المرافق “أمر غيار” يُضاف كأعمال إضافية للمشروع الأصلي، على أن تلتزم أمانة بغداد بضمان إنجاز الشركة المنفذة للأعمال في المدة المحددة، مقابل تنازل الشركة عن الدعوى القضائية المرفوعة ضد الأمانة. هذه الخطوة تكشف أن المشروع ما زال بعيداً عن الاكتمال، وأن تعديلات المسار السابقة والقرارات السياسية السابقة والحالية ساهمت في إطالة عمر الأزمة.

فاتورة انتخابية يدفعها المواطن

مشروع الخنساء كان يفترض أن يكتمل خلال ثلاث سنوات. لكنه بعد أكثر من 15 عاماً، ما زال اسمه يتردد في بيانات المسؤولين كمثال على المشاريع المتوقفة. نسبة الإنجاز التي وصلت قبل أكثر من عشر سنوات إلى 70% تراجعت بفعل التخريب، والمعدات انسحبت، والمواطنون الذين كان يُراد إرضاؤهم وقتها، ما زالوا يعيشون في مناطق بلا بنى تحتية، ويواجهون خطر الغرق كل موسم أمطار.

المشكلة ليست بالسوداني أو المالكي، إنما بإغراءات السلطة، فالحكومات المتعاقبة، لم تستطع أن تزيل التجاوزات في العراق، وتوفر لساكنيها البديل، بل شرعنتها في بعض القرارات، وغضت الطرف عنها، في مرات كثيرة، حتى ملأت المناطق، وأشاعت الفوضى.