ما من شيء يضاهي إغلاق باب الحمام، وربما قفله والتواري بعيدًا عن العائلة، حتى لبضع دقائق فقط.
لطالما كان المرحاض ملاذًا للتهدئة والقراءة الخفيفة، ويعتبر للآباء والأمهات المرهقين المكان النادر للحصول على بعض الوقت لأنفسهم. لكن مع تحوّل الناس من قراءة الكتب والمجلات الورقية إلى التمرير المستمر على هواتفهم الذكية، أصبح الوقت الذي نقضيه في المرحاض مشكلة طبية كبيرة.
ثمة عواقب للجلوس فترات أطول من المعتاد على المرحاض، إذ بينّت دراسة جديدة جديدة نُشرت في مجلة PLOS One أنّ من يتصفّحون هواتفهم الذكية بالحمام، يعانون من زيادة في معدل الإصابة بالبواسير.
والبواسير عبارة عن مجموعات من الأوردة في المستقيم وخارج فتحة الشرج قد تنتفخ وتتضخّم بسبب زيادة الضغط، ما قد يسبب الحكة، وعدم الراحة، والألم، والنزيف.
تقدم هذه الدراسة الجديدة دليلًا قاطعًا على ما اشتبه به كثيرون منذ فترة طويلة، ومفاده أن الناس يفقدون الإحساس بالوقت في الحمام عندما يكون لديهم هواتفهم، بحسب ما ذكرته الدكتورة تريشا باسريتشا، المؤلفة الرئيسية للدراسة، واختصاصية أمراض الجهاز الهضمي في مستشفى ماساتشوستس العام، وأستاذة بكلية الطب في جامعة هارفارد.
كل هذا التمرير المستمر على الهاتف الخلوي يؤثر سلبًا على صحة الناس.
قالت باسريتشا لـCNN، إنّ “النموذج التجاري الكامل لتطبيقات وسائل التواصل الاجتماعي قوامه إلهاء الناس، وجعلهم يفقدون الإحساس بالوقت، وإدمانهم على الخوارزميات”، مضيفة “أننا نحن الآن فقط نفهم مدى أثر الهواتف الذكية على العديد من الجوانب الأخرى في حياتنا”.
خطر استخدام الهاتف في المرحاض
أجرت الدراسة استبيانًا مع 125 شخصًا بالغًا كانوا يخضعون لفحص تنظير القولون، حول عاداتهم في الحمام، ضمنًا ما إذا كانوا يتصفحون الإنترنت خلال وجودهم في المرحاض.
كما طرح الاستبيان أسئلة حول الإجهاد، ومدى تناول الألياف، وروتينات التمرين، وهي عوامل إضافية مرتبطة بخطر الإصابة بالبواسير.
تم تأكيد الإصابة بالبواسير من خلال التنظير الداخلي، حيث وجد الباحثون أن استخدام الهاتف الذكي بانتظام في المرحاض كان مرتبطًا بزيادة خطر الإصابة بالبواسير بنسبة 46%. وأفاد حوالي 37% من مستخدمي الهواتف الذكية بأنهم يقضون أكثر من خمس دقائق في المرحاض مقارنةً بـ 7% فقط من غير مستخدمي الهواتف الذكية.
كيف يسبّب استخدام الهاتف البواسير في الحمام؟
غالبًا ما يرتبط خطر الإصابة بالبواسير في الجلوس لفترات طويلة، لكنّ هذا الخطر يزداد عندما يكون الشخص جالسًا لفترة طويلة على المرحاض. ويضغط المقعد المفتوح للمرحاض على منطقة المستقيم، ما يبقي الجزء السفلي من الجسم في وضع منخفض مقارنةً بالجلوس على كرسي. مع مرور الوقت، يمكن أن يُسبب الضغط المتزايد بسبب المقعد تجمع الدم في المستقيم.
أفاد 66% من المشاركين في الاستبيان أنهم يستخدمون هواتفهم الذكية بانتظام أثناء الجلوس في المرحاض، ويقضون وقتًا أطول بكثير في المرحاض مقارنةً بمن يتركون هواتفهم خارج الحمام.
كما أوضح حوالي 54% من المشاركين أنهم يستخدمون هواتفهم لقراءة الأخبار، في حين قضى 44% منهم وقتهم في تصفح وسائل التواصل الاجتماعي.
وأشارت باسريتشا إلى أنّه “عندما تجلس على مقعد مرحاض مفتوح، فإنك لا تحصل على دعم لمنطقة الحوض”.
ويزيد الوقت الطويل في الجلوس على المرحاض بسبب استخدام الهاتف الذكي من خطر الإصابة بالبواسير نتيجة سوء الوضعية.
علّقت الدكتورة هيما غانتا، جراحة القولون والمستقيم في مستشفى هولي نيم بنيوجيرسي، غير المشاركة في الدراسة، على هذا الأمر قائلة إنّ ثمة ميل لدى الناس إلى الانحناء عند النظر إلى هواتفهم، وهذه وضعية غير مثالية للخروج، لأن المستقيم وفتحة الشرج ينحنيان من القولون. في المقابل، تُعتبر الوضعية القرفصائية هي الخيار الأفضل للحركة المعوية السلسة.
تشخيص البواسير أكثر بين الأجيال الشابة
في حين أنّ الدراسة شملت البالغين من عمر 45 عامًا وما فوق، وجدت باسريتشا أنّ النتائج يمكن أن تنطبق أيضًا على الأشخاص الأصغر سناً، لأنهم الأكثر احتمالاً لإدخال هواتفهم معهم دومًا.
وأضافت: “كان من المفيد أن يكون لدينا هذه الفئة العمرية (45 عامًا وما فوق) لأن ثمة أشخاص لم يستخدموا هواتفهم الذكية في الحمام، فكان لدينا مجموعة مقارنة”، موضحة أن “وجود الثلث لا يأخذون هواتفهم معهم إلى الحمام ساعدنا على فهم ما يمكن أن يكون عليه الخط الأساسي، لا سيما أني أعتقد أن الوضع أكثر تأثيرًا على الأفراد الأصغر سناً”.
أما الدكتورة سانديا شوكلا، اختصاصية أمراض الجهاز الهضمي في أتلانتيك كوست غاستروإنتيرولوجي أسوسيتس في نيوجيرسي، غير المشاركة في الدراسة، فلاحظت زيادة بعدد المرضى الأصغر سنًا الذين يتم تشخيصهم بمشاكل في البواسير.
وأضافت أنه رغم أن هناك عوامل أخرى تساهم بذلك مثل قلة تناول الألياف، والسمنة، إلا أن التمرير العشوائي على الهاتف في المرحاض يُعد من العوامل الرئيسية المساهمة.
كيفية تقليل خطر الإصابة بالبواسير
تتمثّل أبسط إجابة لتقليل خطر الإصابة بالواسير بتجنّب أخذ الهاتف إلى الحمام. لكن إذا قررت إدخال هاتفك معك، ينصح الأطباء بتحديد وقت الجلوس.
رغم أن الخبراء في مجال أمراض الجهاز الهضمي ينصحون الناس بعدم الجلوس على المرحاض لأكثر من 10 دقائق، إلا أن الفترة المثالية تتراوح بين 3 و5 دقائق.