اخر الاخبار

الرئيس الإيراني يحذر: الجفاف يهدد بإخلاء طهران

حذر الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان من عواقب وخيمة قد...

ساعات على الاقتراع.. المفوضية توجه بإزالة دعايات المرشحين قرب المراكز الانتخابية

وجّهت المفوضية العليا المستقلة للانتخابات، اليوم الجمعة، بإزالة الدعاية...

المبعوث الأميركي: دولة جديدة ستنضم لاتفاق التطبيع مع الكيان

أعلن المبعوث الأميركي الخاص ستيف ويتكوف، يوم الخميس، أن...

السفارة العراقية في ليبيا تعيد 25 مهاجراً إلى البلاد

أعلنت السفارة العراقية في ليبيا، اليوم الخميس، نجاحها في...

ذات صلة

أحمد الجلبي.. عاشق الأدب والرياضيات الذي تفرّغ لإسقاط صدام

شارك على مواقع التواصل

تحلّ اليوم الذكرى العاشرة لرحيل أحمد الجلبي، أحد أكثر الشخصيات العراقية إثارة للجدل في العقود الأخيرة، إذ جمع بين مسيرة أكاديمية لامعة في الرياضيات، ونشاط سياسي مكثّف في المنفى، بلغ ذروته بدوره في إسقاط نظام صدام حسين.

المنفى والكتب 

وُلد أحمد عبد الهادي الجلبي في 30 تشرين الأول/أكتوبر 1944، في حي الكاظمية ببغداد، لأسرة شيعية معروفة بنفوذها المالي والسياسي. بعد ثورة 1958 التي أنهت الحكم الملكي، غادرت الأسرة البلاد إلى المنفى، لتبدأ رحلة الجلبي الدراسية التي ستقوده من لندن إلى الولايات المتحدة.

في سنوات مراهقته، كانت الكتب محطته الأولى. أُغرم في سن الخامسة عشرة بأعمال دوستويفسكي، وكان يقرأ رواية الجريمة والعقاب سرًا تحت بطانية سريره في ضوء قنديل صغير بعد إطفاء الأنوار في المدرسة الداخلية. لم يكتفِ بالأدب، فخلال أوقات فراغه علّم نفسه “حساب التكامل”، جامعًا بين شغف الأدب والعلوم.

عام 1961، انتقل الجلبي إلى الولايات المتحدة لبدء دراسته الجامعية، فحصل على بكالوريوس في الرياضيات من معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا (MIT)، ثم نال الدكتوراه من جامعة شيكاغو عام 1969. خلال سنوات الدراسة، اتسعت اهتماماته الفكرية لتشمل الماركسية وأصولها النظرية، وتأمل في قدرة لينين على تغيير مسار التاريخ من منفاه في سويسرا. أدهشه كيف يمكن لزعيم منفي أن يُحدث ثورة بمساعدة قوى خارجية، وهي فكرة ستلازمه طويلاً في حياته السياسية.

بعد تخرجه، عمل أستاذًا للرياضيات في الجامعة الأميركية في بيروت، قبل أن ينتقل تدريجيًا إلى عالم المال والسياسة. احتفظ بعادته القديمة في ارتياد المكتبات والبحث عن الكتب والأفكار الجديدة، لكن أكثر ما أثر فيه لم يكن من الكتب، بل من الصحف. كان يتابع تغطية نيويورك تايمز لحرب فيتنام، وتأمل كيف أجبرت الصحافة الأميركية الرئيس ليندون جونسون على سحب ترشحه عام 1968. قال لاحقًا: “كان في وسعي أن أرى ماذا يمكن أن تفعل النيويورك تايمز برئيس أميركي وهو في مكتبه”. أدرك آنذاك قوة الإعلام في صناعة القرار السياسي — درسٌ سيستحضره لاحقًا، ولكن لا لإنهاء حرب، بل لإشعال أخرى.

بنك البترا وبدايات المنفى السياسي

في سبعينيات القرن الماضي، أسس الجلبي في الأردن “بنك البترا”، الذي توسع سريعًا ليصبح من أبرز المؤسسات المالية الإقليمية. لكن البنك انهار عام 1989، وفي عام 1992 حكمت عليه محكمة أردنية غيابيًا بالسجن في قضايا تتعلق بالاحتيال المصرفي، وهي تهم ظل يرفضها، مؤكّدًا أن دوافعها سياسية.

خلال وجوده في الأردن، تابع عن قرب الحرب العراقية–الإيرانية، وبقي على عدائه العلني لصدام حسين. ومع ميل الأردن آنذاك إلى دعم بغداد، وجد الجلبي نفسه في موقع المنفى مرة أخرى، لكنه لم يتوقف عن مراقبة الأحداث وبناء شبكاته. من موقعه المصرفي، كشف ما وصفه بخطة صدام لاستخدام النظام المالي الدولي لتمويل صفقات السلاح بطرق غير مشروعة.

كانت لديه معلومات، كما قال لاحقًا، عن حصول العراق ومورّديه على قروض بمليارات الدولارات عبر فرع بنك إيطالي في أتلانتا، تُستخدم لتطوير أسلحة كيميائية وبيولوجية. ورغم أن الإدارتين الأميركيتين في عهدَي ريغان وبوش الأب غضّتا الطرف عن تلك المعاملات، فإن الجلبي ساعد صحافيين في فايننشال تايمز وواشنطن بوست وABC News في تتبع القضية، كما قدم إفادات إلى لجان في الكونغرس الأميركي حول “فضيحة بنك BNL”. كانت تلك بدايته الفعلية في كسب اهتمام الدوائر الأميركية كمعارض عارف بتفاصيل النظام العراقي.

نحو معارضة منظمة

في أعقاب الانتفاضة الشعبانية عام 1991، كتب الجلبي مقالاً في واشنطن بوست وجّهه مباشرة إلى الرئيس جورج بوش الأب، انتقد فيه تراجع واشنطن عن دعم المنتفضين. قال في مقاله بتاريخ 12 آذار/مارس 1991: “لقد دعا الرئيس بوش الشعب والجيش العراقيين للتخلص من صدام، وهم يفعلون ذلك الآن. إلا أن الموقف الباهت للولايات المتحدة لا يمتلك أي أساس معقول”. كانت تلك الرسالة بمثابة إعلان ولادة معارضة أكثر تنظيماً.

وفي العام التالي، أسس الجلبي “المؤتمر الوطني العراقي” (INC) في المنفى ليكون مظلة لقوى المعارضة المختلفة ضد نظام صدام حسين. من كردستان العراق، خلال فترة الحظر الجوي، عمل على توسيع شبكة علاقاته السياسية في واشنطن، وتمكن من كسب تأييد شخصيات مؤثرة في الكونغرس والإدارة الأميركية، خصوصًا من المحافظين الجدد الذين رأوا في العراق ميدانًا لإعادة رسم الشرق الأوسط بعد حرب الخليج الأولى.

من المعارضة إلى قانون التحرير

عام 1998، تمكن الجلبي من تحقيق أهم اختراق سياسي له في واشنطن. فقد أقر الكونغرس “قانون تحرير العراق” (Iraq Liberation Act) الذي نص على دعم المعارضة العراقية ماديًا ولوجستيًا لإسقاط النظام القائم. وبهذا تحول هدف تغيير النظام من رغبة غير معلنة إلى سياسة رسمية أميركية. شارك المؤتمر الوطني بقيادته في تزويد الأجهزة الأميركية بمعلومات استخبارية عن برنامج أسلحة الدمار الشامل، وبعضها عن علاقات مزعومة بين النظام العراقي وتنظيمات إرهابية، وهي المعلومات التي ستُستخدم لاحقًا لتبرير الغزو الأميركي للعراق عام 2003.

إسقاط صدام

بين عامَي 2001 و2003، تصاعد نفوذ الجلبي في واشنطن. وبحسب تقارير PBS، فقد كان “العامل الأهم في إقناع الإدارة الأميركية بالتدخل العسكري”. إلا أن معظم المعلومات التي قدّمها لاحقًا تبين أنها مضخمة أو غير دقيقة. ومع ذلك، استمر في تقديم نفسه كواجهة سياسية للعراق ما بعد صدام، مؤكدًا أن التغيير سيقود إلى نظام ديمقراطي تعددي.

بعد الغزو وسقوط النظام في أبريل/نيسان 2003، عاد الجلبي إلى العراق. شغل مناصب رفيعة في الحكومات الانتقالية، منها نائب رئيس الوزراء ووزير النفط بالوكالة بين عامي 2005 و2006، ورأس لاحقًا اللجنة المالية في البرلمان. لكنه لم ينجح في تحويل حضوره الدولي إلى قاعدة داخلية راسخة، إذ افتقر مشروعه إلى امتداد جماهيري واضح.

تدهور العلاقة مع واشنطن

العلاقة بين الجلبي والولايات المتحدة لم تدم طويلاً. ففي مايو/أيار 2004، داهمت القوات الأميركية مقرّه في بغداد، وبدأت اتهامات متبادلة بين الطرفين. اتُهم بتسريب معلومات استخباراتية إلى إيران، كما واجه انتقادات واسعة بسبب دوره في عمليات “اجتثاث البعث” التي طالت آلاف الموظفين، وأُخذت عليه نزعتها الانتقامية أكثر من كونها عملية إصلاح سياسي.

تراجع نفوذه السياسي تدريجيًا، لكنه واصل نشاطه في البرلمان حتى وفاته في 3 نوفمبر/تشرين الثاني 2015 إثر نوبة قلبية، بينما كان يرأس اللجنة المالية. عند رحيله، انقسمت الآراء حول إرثه: فالبعض رآه “مهندس إسقاط صدام حسين”، فيما اعتبره آخرون سببًا في انهيار الدولة العراقية بعد الغزو. بين هذين التوصيفين، بقي الجلبي واحدًا من أكثر الشخصيات إثارة للجدل في تاريخ العراق الحديث — رجل جمع بين العبقرية والطموح والمغامرة، وترك أثرًا لا يزال موضع نقاش حتى اليوم.