عقب “طوفان الأقصى”، العملية العسكرية التي شنَّتها حماس في الداخل الإسرائيلي، في السابع من تشرين الأول الحالي، والرد الإسرائيلي العنيف على قطاع غزة، أُعيد استذكار اسم صدام حسين، رئيس النظام السابق عبر تدوينات على منصات التواصل الاجتماعي، أو تظاهرات في سوريا وغزة.
قبل عشرين عاما، سقط نظام صدام حسين في 9 نيسان 2003، ثم حوكم وتم إعدامه عام 2006، ولم تنته حكاية الرجل الذي حكم العراق بالحديد والنار، إذ إن صور “الدكتاتور” ما زالت تُرفع في فلسطين والأردن، ومئات الحسابات على منصات التواصل الاجتماعي، من المدونين العرب لا يزالون يضعون صورته، وينشرون صورا ومقاطع فيديو له.
صورة صدام حسين
في عام 1979، تولى صدام حسين مقاليد الحكم في البلاد، بعد “انقلاب أبيض” أزاح به أحمد حسن البكر، وفي العام التالي شنَّ حربا على إيران استمرت ثمانية أعوام، وقفت خلالها إلى جانبه معظم الدول العربية، والعديد من الدول الغربية.
إضافة إلى الدعم المادي، كان الإعلام العربي باستثناء سوريا وليبيا، يبث يوميا عبر التلفاز والصحف والإذاعات، أخبارا منحازة إلى نظام صدام حسين، وأطلق على الأخير “فاتح القادسية” و”فخر العرب” و”صلاح الدين الأيوبي”، وعشرات الألقاب الأخرى، وعلى رأسها “حارس البوابة الشرقية”.
يشير المؤرخ فائز الخفاجي، إلى أن “الإعلام العربي والغربي خلال حرب الثمانينات، وقف إلى جانب صدام حسين، باستثناء سوريا وليبيا وكلا إعلامهما ضعيف”.
ويضيف في حديث لمنصة “إيشان”: “كانت الصحافة في لبنان والخليج تنحاز إلى العراق، لا سيما وأن بغداد بعد تأميم النفط في بداية السبعينيات، بدأت بمنح الصحف والصحفيين، حصصاً مالية وكوبونات”، ولكل هذا أثر في تشكيل صورة صدام في الذهنية العربية.
“العراق وعبر كل الأنظمة المتعاقبة التي توالت عليه، حتى اليوم، تقف إلى جانب الحق الفلسطيني، وصدام حسين من بينهم، فقد دعم الفصائل الفلسطينية، ومنح ذوي الشهداء في فلسطين أموالا، وكان للفلسطينيين في العراق رعاية خاصة، فالطالب الفلسطيني الذي يدرس في الجامعات العراقية، كان يتقاضى في حدود 300 دولار، قطعا كل هذه الخطوات تنعكس بشكل أساسي على الإعلام والوضع العربي، بغض النظر عن كونه نظام استبدادي”، يقول الخفاجي.
محمد الصقر، رئيس تحرير جريدة القبس الكويتية الأسبق، خلال حديثه في برنامج “السطر الأوسط” يلفت إلى هيمنة نظام صدام على الصحف والإعلام الخليجي، وتحدث عن تحركات السفير العراقي في الكويت في ثمانينيات القرن الماضي، وتواصله المباشر مع الصحف، في حال نُشِرَ شيء يستهدف صدام حسين، وتأثيره على الخارجية الكويتية التي تتدخل إذعانا لطلبه.
لم يستمر هذا الدعم الإعلامي، عقب اجتياح الكويت مطلع التسعينيات من القرن الماضي، وكما انقسمت الدول العربية إلى دول مع تدخل الولايات المتحدة الأميركية لتحرير الكويت، وأخرى ضدها، انشقَّ الشارع العربي كذلك.
أعيد تأثيث صورة صدام حسين، في الإعلام العربي، عقب إسقاط نظامه في 2003، والإطاحة به ومحاكمته، واكتسب ألقابا جديدة، آخرها “شهيد العيد”.
“بحسب علم النفس فإن الشعوب يمكنها أن تبني مخيلة جمعية في لحظة مزاجية وانفعال، في محاولة لمعالجة الأزمات التي فرضتها الحياة، وإمعانا في تحقير ذاتها وتحقير حاكمها فتختار بطلا آخر من غير ملَّتها أو بلدها”، يقول الكاتب عدنان ابو زيد، مبيناً أن “أغلب أبطال الشعوب كانوا من غير ملة القوم، ويتم اتخاذهم أبطالا خرافيين تجسيدا لقلقهم الحياتي وهروبا من الشعور بالنقص وهذا ديدن الفلسطينيين فيما يتعلق بحبهم لصدام حسين وينطبق الأمر على اللبنانيين أيضا”.
ويوضّح أبو زيد: “يمكن القول إن هؤلاء كانوا شركاء في صنع شخصيته، فهم لم يعيشوا في السجن الكبير -العراق- بل كانوا متفرجين لفيلم سينمائي يتابعون البطل ويصفقون له حين كان يهشم رؤوس ضحاياه، لكن العراقيين شركاء ايضا في مرحلة صعود صدام في السبعينات تحديداً، لكنهم اكتشفوا سذاجة الأمر، ولم تكن الحشود الضخمة التي كانت تملأ الساحات تمجد صدام بعد ذلك سوى جماهير غلب على أمرها، أما هؤلاء العرب فما زالوا في الوهم بالرغم من أن الشمس قد سطعت وانحسر الضباب”.
ويكمل: إن “الفلسطينيين واللبنانيين ينظرون إليه على أنه بطل حقيقي وهذا ناتج عن حاجة سايكولوجية، فقد استطاع صدام أن يوهم هؤلاء بإعلامه الذي صرف عليه الملايين انه الوحيد القادر على تحرير الأرض وتوحيد الدول العربية في دولة واحدة، وأنه أفضل العرب لرئاسة دولة الأمة العربية”.
“نكاية بالآخرين”
الكاتبة الكويتية شيخة البهاويد، تنبه إلى جانب من استعادة اسم صدام حسين، وتقول: “ككويتيين موجودين على السوشيال ميديا، لا نكاد ننشر منشورًا إلا ونجد في التعليقات عليه من يقول نكاية: “الله يرحم صدام”، ويرفقها أحيانًا بـ”كان عارف لكم” إذا ما اشتد النقاش وتبادلت الأطراف قذف النعال الإلكترونية، حتى صار الكويتيون يستخدمون العبارة من باب النكتة”.
وتضيف: “لا يزال صدام حاضرًا في النكاية بالآخر، الآخر الذي داس عليه «بسطار» الرئيس، كويتيًا أم عراقيًا، إذ حصل وأن استخدم جمهور فريق اتحاد العاصمة الجزائري لكرة القدم، خلال مباراته مع نادي القوة الجوية العراقي، هتافات لتمجد صدام نكاية في الفريق العراقي. توقف اللعب وقتها غضبًا من الهتافات، التي تحمل أبعادًا نفسية سيئة على لاعبي العراق”.
وتشير الكاتبة الكويتية إلى أن “المسألة في استحضاره في السياق الطائفي والقومي، إذ يُنظر إليه كحامي البوابة الشرقية، حتى من الأجيال التي لم تعش الحرب العراقية الإيرانية. لكن الاختناق الطائفي في السنوات الأخيرة في المنطقة دعا إلى استحضار صدام وقتله لكثير من الشيعة وحربه مع إيران، وصار يُستخدم للنكاية الطائفية، جهلًا أو تغاضيًا عن أن جبروته لاحق كل الطوائف والأديان والمذاهب والأعراق، كل من واجهه كان يلقى نفس المصير”.
هل تحب صدام حسين؟
الذين يحبون أو يكرهون الدكتاتوريين أمثال صدام حسين وهتلر وستالين، بحسب الباحث السعودي محمد المحمود “لا يحبونهم أو يكرهونهم بناء على حقيقتهم في تحقّقهم التاريخي (فهذه حقيقة لا وجود لها، حقيقة أصبحت ـ كما أصبحوا ـ في قبضة العدم)، وإنما يفعلون ذلك (حبا أو كرها) بناء على وجودهم الراهن، الذي هو وجود رمزي خالص، أي بناء على محبّتهم أو كرههم للصفات/ الممارسات التي وصل بها هؤلاء إلى مستوى الفاعلية الرمزية، الفاعلية المؤثرة ـ بشكل مباشر/ صريح، أو غير مباشر/ غير صريح ـ في الواقع”.
ويمضي قائلا: “تَذَكّر أن إجابتك عن سؤال: هل تحب صدام حسين؟ ليست خِيارا عاطفيا. أنْتَ حُرّ أن تحب أو تكره شخصا ما، لكنك لست حُرّا (حرا من الناحية الأخلاقية) أن تحب صدام أو تكرهه. اختيارك الذي تطرحه هنا كخيار شخصي وجداني، هو ليس كذلك، هو ليس شخصيا، هو خيار أخلاقي/ مبادئي، حضاري/ إنساني في مؤداه النهائي”.