أربع سنوات مرت منذ استشهاد نائب رئيس هيئة الحشد الشعبي السابق أبو مهدي المهندي، وقائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني الجنرال قاسم سليماني، بغارة أمريكية على طريق مطار بغداد، لكن هذا الحدث لا يزال عالقاً في أذهان العراقيين كواحد من أخطر ما شهده العراق منذ العام 2003.
حتى اللحظة، لا تزال التحقيقات مستمرة بحادثة المطار، التي وقعت في الثالث من كانون الثاني عام 2003، ولم يكشف أسم “الغادر” بهما ومن يقف خلفه، فكل المؤشرات تشير إلى أن هناك من وشى بهما، وأعطى معلومات دقيقة، للجانب الأمريكي، الذي لم يهلمها، ولم يضع في حساباته، ردود الأفعال، فكل ما فعله الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، هو منح الضوء الأخضر لقصف موكب سليماني القادم من سوريا، حيث كان في انتظاره أبو مهدي المهندس.
اعتقد كثيرون أن مقتل المهندس وسليماني لن يكون ثمنه أقل من “فوضى أمنية وسياسية واجتماعية كبيرة”، خصوصاً وأن عدداً من المتواجدين داخل ساحة التحرير أيام تظاهرات تشرين آنذاك، قد هتفوا داخل نفق التحرير “فرحين” بنبأ مقتل المهندس وسليماني، ليزيد الأمر تعقيداً قيام وزير الخارجية الأمريكي السابق مايك بومبيو بمشاركة فيديوهات الاحتفال بالضربة الأمريكية، الأمر الذي جعل الكثيرين يعتقدون أن “فصائل الحشد الشعبي ستنزل للشارع وستثأر لمقتل قائدها الميداني، ليتصاعد الخوف جدياً من حدوث اشتباكات داخل ساحة التحرير، وهو ما لم يحصل، لتمر أولى ساعات استشهاد المهندس وسليماني، بسلام على شوارع وأمن بغداد.
وقتها، أعلنت إيران الحداد على قائد فليق القدس، وقال المرشد الإيراني علي خامنئي إن “الانتقام الشديد ينتظر المجرمين”، لتدعو السفارة الأمريكية في بغداد كافة رعاياها لمغادرة العراق “على الفور”.
وعلى إثر الضربة الأمريكية، أمر زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر جيش المهدي “بالاستعداد للدفاع عن العراق”، ووصف الضربة بأنها “تستهدف الجهاد والمعارضة والروح الثورية الدولية”.
وكتب في تغريدة على موقع تويتر في الثالث من كانون الأول 2020″ أنا كمسؤول عن المقاومة الوطنية العراقية، أدعو جميع المجاهدين، لا سيما (جيش المهدي) و (لواء اليوم الموعود)، وكذلك الفصائل (الوطنية) و (المنضبطة) الأخرى تحت قيادتنا، أن تكون مستعدة للدفاع عن العراق”.
ووفقاً لتقرير دولي، فإن قاسم سليماني يعد من أقوى الشخصيات عسكرية في إيران والعقل الاستراتيجي وراء طموحاتها في الشرق الأوسط ووزير خارجيتها الحقيقي في ما يتعلق بشؤون الحرب والسلام، حيث أدار سليماني عمليات سرية شملت شبكة من الفصائل العاملة بالوكالة في أنحاء المنطقة امتدت على نطاق واسع وشملت أجراء كبيرة من بلدان الشرق الأوسط من البحر الأحمر حتى الخليج وما وراء ذلك برفقة صديق دربه الجهادي أبو مهدي المهندس، كما مثل مركز نفوذ سياسي في إيران حيث اعتبر الرجل الثاني بعد المرشد الأعلى للثورة الإيرانية نفسه.
وأشار التقرير الذي كتبه ليز دوسيت، مراسلة الشؤون الدولية البريطانية، أن سليماني هو “مهندس حرب الرئيس السوري بشار الأسد في سوريا، والنزاع المستمر في العراق، والحرب ضد تنظيم الدولة الإسلامية، والعديد من المعارك الأخرى”.
وبينت أن “الجنرال ذو الشعر الفضي واللحية الخفيفة بطلا في أعين مقاتليه، ولسنوات كانت الولايات المتحدة تدرس قتل هذه الشخصية التي أمرت بشن هجمات ضد قواتها”.
وقد اعتبر المسؤولون الإيرانيون مقتل سليماني من أعمال الحرب التي تتطلب “انتقاما شديدا”.
أما أبو مهدي المهندس الذي استشهد معه، فهو جمال جعفر محمد علي آل إبراهيم، وهو من مواليد عام 1954 في البصرة القديمة، التحق بكلية الهندسة التكنولوجية في بغداد في العام 1973 وتخرج منها عام 1977 وعمل كمهندس مدني في المنشأة العامة للحديد والصلب في البصرة.
وقد حصل على شهادة البكالوريوس في العلوم السياسية ودرس الدكتوراه في الاختصاص نفسه.
وقد انخرط المهندس في النشاط السياسي في مرحلة مبكرة من حياته فانضم إلى حزب الدعوة الاسلامية وهو في الدراسة الثانوية، وفي عام 1980 غادر إلى الكويت بعد تسلم صدام حسين الحكم في العراق حيث تعرض حزب “الدعوة الإسلامية” في تلك الفترة للكثير من التضييق والاعتقالات في صفوفه. كما تم إعدام المرجع الديني محمد باقر الصدر وقتها، أبرز مؤسسي حزب الدعوة.
وفي الكويت مارس نشاطاً سياسياً وأمنياً معارضا للرئيس العراقي صدام حسين ضمن ما سماه بـ”خلايا فرع حزب الدعوة” حتى منعته الحكومة الكويتية من مزاولة نشاط سياسي على أراضيها.
بعد اجتياح مسلحي تنظيم ما يعرف بـ”الدولة الإسلامية” أجزاء واسعة من شمال العراق وغربه، تولّى أبو مهدي المهندس جمع فصائل شيعية مسلحة عدة بدعم إيراني، كي يقفوا بصورة أساسية بوجه التهديدات الأمنية التي مثلها “تنظيم الدولة” في بغداد وأطرافها.
ويرى مراقبون أن المهندس كان القائد “الحقيقي” الذي عمل بجد لتطوير “الحشد”، ولعب دورا وصف بـ” المؤثر” في قيادة العمليات العسكرية ضد “الدولة الإسلامية”، حيث دأب على الحضور كقائد ميداني لساحات المعارك التي قادها الحشد الشعبي على الأرض، والتي شابتها لاحقا اتهامات بوقوع ما وصف بـ”التجاوزات والانتهاكات”.
كما عرف المهندس بعلاقاته الوثيقة التي تمتد لعقود مع إيران عرف أيضا كواحد من أهم المقربين من قائد فيلق القدس الإيراني قاسم سليماني حيث أعتبر المهندس مستشاراً شخصياً لسليماني، وكانا يظهران سويا في كثير من المناسبات .
وحول طبيعة العلاقة بينه و بين الأخير، قال المهندس في أحد اللقاءات الصحفية باللغة الفارسية التي يتقنها” أفخر أن أكون جنديا لدى الحاج قاسم سليماني وهي نعمة إلهية”. كما هو حال سليماني، كان المهندس يحتفظ بلحية بيضاء وشعره الأبيض.
لقد عمل الرجلان معا عن كثب وضمن أهداف استراتيجية عدت مشتركة تخص “جهاز الأمن العسكري” المعروف بـ”قوات القدس” والذي تولى الجنرال قاسم سليماني قيادته منذ العام 1998 وكذلك الجناح الخارجي لعملياته. وقد قضى الرجلان معا حيث أنهت غارة أمريكية حياتهما بعدما استهدفت موكبهما على طريق مطار بغداد.
وكان أبو مهدي المهندس قد تحدث العام الماضي متهما الولايات المتحدة بالوقوف وراء أعمال تخريب استهدفت قواعد لـ”الحشد الشعبي” في العراق وتحديدا في البصرة. وحجب بعدها ببضعة أيام حسابه على موقع تويتر.
تقرير الأمم المتحدة
وقد أكدت المقررة الخاصة للأمم المتحدة المعنية بالإعدامات العشوائية والقتل خارج نطاق القانون أننيس كالامارد إن عملية قتل الجنرال الإيراني قاسم سليماني ونائب رئيس هيئة الحشد الشعبي العراقي أبو مهدي المهندس في بغداد بضربة أميركية كانت ” عملية قتل تعسفية وغير قانونية انتهكت ميثاق الأمم المتحدة.
وكتبت في تقريرها أن “اغتيال قائد فيلق القدس الإيراني اللواء سليماني كان في إطار النزاع المسلح وقد كان أمراً غير مسبوق، خاصة أنه تم في دولة ذات سيادة مستقلة؛ مشيرةً إلى أن الولايات المتحدة لم تقدّم أدلة على أن التخطيط كان جاريًا لاعتداء وشيك على مصالحها، وهو ما كان مبرر واشنطن لاغتيال سليماني. وقالت كالامارد في تقريرها إنه “في ضوء الأدلة التي قدّمتها الولايات المتحدة حتى اليوم، فإن استهداف الجنرال سليماني ومقتل مرافقيه يعد عملية قتل تعسفية تتحمّل الولايات المتحدة مسؤوليتها بموجب قانون حقوق الإنسان الدولي”.
ومما جاء في تقرير كالامارد: “لا يوجد أي دليل على أن اللواء سليماني كان يخطط لشن هجوم وشيك على المصالح الأميركية، خاصة في العراق ، بحيث أن الأمر كان يتطلب استجابة فورية ومبررة… على الرغم من أن سليماني كان مسؤولا عن استراتيجية إيران العسكرية وأعمالها في العراق وسوريا ، إلا أن العمل العسكري الأميركي كان غير قانوني، لأنه لم يكن يشكل أي تهديد لأولئك المرتبطين بأميركا…إن عملية اغتيال اللواء سليماني في مجال النزاع المسلح كانت خطوة غير مسبوقة حيث تم في هذه العملية، استهداف مسؤول حكومي إيراني رفيع المستوى على أراضي دولة ذات سيادة مستقلة..”
وعلى إثر التقرير، كتب الباحث العرقي صلاح عبد الرزاق قراءة حول التقرير بعنوان: قراءة في تقرير الأمم المتحدة حول اغتيال قادة النصر في مطار بغداد الدولي”؛ وجاء فيها:
بعد سبعة أشهر على جريمة المطار، قدمت المقررة الأممية أغنيس كالامارد تقريرها حول حالات الاعدام خارج القضاء إلى مجلس حقوق الانسان التابع للأمم المتحدة عملاً بقرار المجلس 35 / 15؛ وذلك في دورته الرابعة والأربعين للفترة 15 حزيران – 3 تموز/يوليو 2020، ويتناول التقرير قضية القتل المستهدف من خلال الطائرات المسيرة المسلحة.
تركز التقرير حول حادثة اغتيال الجنرال قاسم سليماني (1957-2020) ونائب قائد الحشد الشعبي جمال جعفر آل ابراهيم (أبو مهدي المهندس) (1954-2020) في 3 كانون الثاني/يناير 2020 بطائرة أميركية من دون طيار، الأمر الذي اعتبره التقرير انتهاكاً لسيادة العراق وإعداماً خارج القضاء، وأن عملية الاغتيال تفتقد لمبرر قانوني، وتعد انتهاكاً للميثاق الدولي للحقوق المدنية والسياسية وميثاق الأمم المتحدة.
تضمن التقرير أكثر من ثمانين ملاحظة ومناقشة وتفنيداً للادعاءات الأميركية، وناقش قضايا جوهرية تجعله فصلاَ آخر في كتاب خيبة الدبلوماسية الأميركية.
ومن هذه القضايا:
أولاً: انتهاك السيادة العراقية
إذ يؤكد التقرير في فقرات عديدة على أن قيام الطائرة الأميركية بضرب منشأة مدنية وسيارة مدنية في بغداد انتهاكاً فاضحاً لسيادة دولة أخرى. وأن واشنطن اخفقت في تقديم تبرير مقبول في قتلها لهؤلاء الرجال أو سبب انتهاكها للسيادة العراقية.
وأشار التقرير إلى أن القانون الدولي يشترط موافقة الدولة المعنية على استخدام القوة في أراضيها. وهذا ما تجاهلته أميركا كلياً، ولم تُطلع الحكومة العراقية على نيتها باستخدام القوة في مطار بغداد الدولي.
وأضاف التقرير بأن وزير الدفاع الأمريكي (مارك أسبر) قد أعلن بأن بلاده لديها ما يبرر ضرب الجنرال سليماني في العراق بسبب اخفاق العراق المزعوم في منع الهجمات الإيرانية.
منذ 11 أيلول/سبتمبر 2001 اتفقت الولايات المتحدة ودول أخرى على مبدأ (غير الراغب وغير القادر) للسماح بضربات داخل دولة إقليمية من دون موافقة، فكان على واشنطن أن تثبت أن العراق كان دولة غير راغبة أو غير قادرة على منع هجوم مستمر أو وشيك، وأن الضربة كانت ضرورية ومتناسبة.
إن تبرير واشنطن بأن الضربة جاءت رداً على هجمات كتائب حزب الله، لكنها لم تتمكن من اثبات أن الكتائب فعلاً ضربت أو تنوي ضرب أهداف أمريكية.
من جانب آخر فان العراق احتج رسمياً على هذه الضربة أمام مجلس الأمن، وأنه رفض جر العراق إلى الصراع الأمريكي- الإيراني. وأن غارة الطائرات الأميركية ترقى إلى مستوى العدوان على دولة وحكومة وشعب العراق، وانتهاك صارخ لشروط وجود القوات الأميركية في هذا البلد.
وبذلك سقطت كل تبريرات الولايات المتحدة المرتبطة بانتهاكها السيادة العراقية، والزعم بأن الضربة كانت ضرورية لمواجهة تهديد خطير لقواتها أو مصالحها أو منشآتها.
ولا يمكن للولايات المتحدة تبرير جريمتها وانتهاك سيادة دولة أخرى بحجة ملاحقة الجنرال سليماني لأنه سبق لسليماني أن سافر إلى عدة دول في الشرق الأوسط وروسيا، فهل يعني أن أمريكا مستعدة لاختراق سيادة هذه الدول بحجة ملاحقته؟
ثانياً: مخالفة القانون الدولي
يؤكد التقرير بصراحة أن هجمات الطائرات المسيرة تشكل تحديات أساسية للمعايير القانونية الدولية، وأن الاغتيال ينتهك الميثاق الدولي للحقوق المدنية والسياسية وميثاق الأمم المتحدة. كما أن الاغتيال يعتبر اعداماً خارج القضاء أو إعداماً تعسفياً لم تسبقه إجراءات قانونية ضرورية. إن القتل التعسفي هو خرق للقيود القانونية للاستخدام المسموح به للقوة، فلا يمكن إلحاق الضرر بأشخاص آخرين قريبين من الحادث تحت أي ذريعة.
ودان التقرير الهجمات على المدنيين والمعالم المدنية كالمدارس والمستشفيات والاسعاف في أفغانستان وفلسطين وسوريا واليمن وليبيا. ان الأمر الذي سهل تلك الانتهاكات هو غياب المسائلة وتقديم تفسيرات من قبل الدول المنتهكة للقانون الدولي.
وذكر التقرير تصريح المقرر الخاص كريستوف هاينز الذي حذّر من أن “الاستخدام الموسع للطائرات من دون طيار المسلحة إذا لم يتم التصدي لها يمكن أن يلحق ضرراً هيكلياً بأركان الأمن الدولي ، ويضع سوابق تقوّض حماية الأرواح على المدى الطويل”.
وشكك التقرير في الأسس القانونية التي يقوم على أساسها استخدام الطائرات المسيرة وإضفاء الشرعية عليها. كما اظهر التقرير أهمية حماية الحق في الحياة في النزاعات والحرب غير المتكافئة والكثير من حالات القتل التعسفي بحجة مكافحة الارهاب.
إن اغتيال الجنرال سليماني هو أول حادث معروف تتذرع فيه دولة بالدفاع عن النفس كمبرر للهجوم على ممثل دولة أخرى في إقليم دولة ثالثة. وهذا مخالف لحظر استخدام القوة في المادة 2 (4) من ميثاق الأمم المتحدة.
ثالثاً: معالم الجريمة
تعد عملية اغتيال الشهيدين المهندس وسليماني جريمة دولية تفتقد لجميع المبررات القانونية بل وتعد اعداماً تعسفياً خارج القضاء، وإن استخدام الطائرات المسيرة في عمليات الاغتيالات تعتبر تهديداً للسلم الدولي ، إذ يشير التقرير إلى أن استخدام الطائرات المسيرة لاستهداف مسؤول رفيع لدولة أجنبية على أراضي دولة ثالثة هو تطور كبير وتصعيد خطير.
وأشار التقرير بأن تبريرات الولايات المتحدة في عملية اغتيال هؤلاء الرجال غير قانونية وليس لها أساس، وأن واشنطن لم تقدم تفسيرات رسمية لمجلس الأمن الدولي تؤكد ما إذا كان هؤلاء الرجال أهدافاً، لأنهم اعتبروا جزء من الهجوم المستمر أو الوشيك الذي ادعت الولايات انه بصدد استهدافها، وعليه تتحمل الولايات المتحدة المسؤولية عن كل ما ينتج من حالات وفاة تعسفية.
إن السكوت على هذه الانتهاكات الخطيرة سيمهد لاغتيالات قادمة لمسؤولين رفيعي المستوى لدول أعضاء في الأمم المتحدة. وبذلك ستتفاقم اوضاع السلم الدولي لينزلق في منحدر خطير.
وأضاف التقرير: إن تصنيف الولايات المتحدة لفرد أو جماعة أنهم إرهابيون لا يلزم دول أخرى بهذا التصنيف. وسبق لواشنطن أن صنفت الحرس الثوري الايراني منظمة إرهابية. ولا يوجد إي إلزام على أي دولة أخرى لتبني هذا التصنيف.
لقد ادعى الرئيس (دونالد) ترامب أن سفارة بلاده في بغداد تحت التهديد الايراني، ثم وسّعها إلى أربع سفارات دون وجود اثبات أو دليل ملموس. إن مبرر واشنطن في قتل سليماني هو بمثابة ردع لتفادي هجمات مستقبلية دون توضيح أين ومتى ستقع؟
لقد اخفقت واشنطن في اثبات أن الجنرال سليماني يشكل تهديداً وشيكاً، وأنه كان عليها أن تضربه.
موقف الحكومة العراقية
لم تقم حكومتي عادل عبد المهدي ومصطفى الكاظمي السابقتين، بأي تحقيق جنائي وفني واستخباري حول اغتيال المهندس ورفيقه ومرافقيهما، في حين قامت السلطات الايرانية باجراء تحقيق ووجهت إحدى المحاكم الايرانية تهمة القتل العمد للرئيس الأمريكي ونحو 40 شخصا آخر اتهمتهم بالضلوع في الجريمة، وطالبت الشرطة الدولية (الإنتربول) بتسليمهم لطهران لمحاكمتهم. نعلم أن الإنتربول لن يقوم بأي رد فعل تجاه الطلب الايراني لكنه يمثل سابقة قضائية دولية أن تقوم دولة بإصدار حكم قضائي ضد رئيس أمريكي.
إن إحجام الحكومة العراقية عن إجراء تحقيق حول اغتيال قادة النصر يمثل عجزاً سياسياً وأمنياً واخفاقا دبلوماسياً، لأنها تعطي الانطباع بأنها غير قادرة على الدفاع عن مصالح العراق وشعبه ومتابعة من يعتدي على السيادة العراقية، على الرغم من أنها ترفع شعار السيادة وفرض هيبة الدولة.
إن الجريمة حدثت في منشأة مدنية، أي في محيط مطار بغداد الدولي، وبالتالي يجب كشف كل الملابسات والتفاصيل، مثلا مصادر المعلومات التي حصلت عليها المخابرات الأميركية، وتوقيت وصول الطائرة، وصعود الجنرال سليماني اليها، وهوية الجواسيس داخل مطار بغداد الذين أبلغوا عن نوع ولون ورقم كل سيارة كان الشهداء يستقلونها، حتى تسنى للطائرة الأميركية ضربها بسهولة.
لا يزال الغموض يكتنف هذه الجريمة، وربما الخوف والمجاملة المبالغ فيها جعل الحكومة العراقية تمتنع عن التحقيق. مع العلم أنه حتى الدول المتحالفة تقيم دعاوى ضد حليفتها أو تقوم بالتحقيق في جرائم أو مخالفات، كما حدث في إدانة ألمانيا لعملية التجسس على هاتف المستشارة ميركل من قبل المخابرات المركزية الأميركية، واضطرار واشنطن للاعتذار، ولم يقلل ذلك من قوة علاقتهما.
إن تقرير مجلس حقوق الانسان التابع للأمم المتحدة يمكن اعتباره أرضية قانونية في إدانة جريمة الاغتيال. وأن على الحكومة العراقية أن تتحمل مسؤوليتها وتقدم دعاوى قضائية في المحاكم الدولية، ولا تكتفي بالاحتجاج في مجلس الأمن الدولي.
كما يمكن للمحاكم العراقية البت بالدعوى المقدمة من الحكومة العراقية باعتبار مكان الجريمة واختصاص المحاكم العراقية لأن الجريمة وقعت على أراضيها أولاً، ولأنها استهدفت شخصية عسكرية عراقية ثانياً، وضيفاً على الحكومة العراقية ثالثاً.
من حق الحكومة العراقية المطالبة بتعويضات مادية ومعنوية لضحايا الجريمة لـ”قادة النصر” ومرافقيهما، كما تفعل واشنطن في المطالبة بتعويض رعاياها، مثل طائرة لوكربي التي اتهمت فيها الحكومة الليبية، واستلمت عائلات الضحايا الأمريكيين مئات الملايين من الدولارات.
“إن الحق لا يضيع بتقادم الجريمة.. وما ضاع حق وراءه مطالب”.