شكا مجموعة من الفلاحين في قضاءي المدينة والهوير بمحافظة البصرة، من سحب المياه من نهر دجلة في القضاء باتجاه أهوار الجبايش في محافظة الناصرية، في محاولة من قبل وزارة الموارد المائية لإنعاش الأهوار التي تعاني من مشكلة الجفاف في السنوات الأخيرة.
وتعمل وزارة الموارد المائية خلال الأيام الماضية على إنشاء حوض عند السدة القاطعة على نهر الفرات، ونصبت 4 مضخات عليها وشرعت بسحب المياه من جهة البصرة التي تتغذى على نهر دجلة وضخها باتجاه أهوار الجبايش التي تتغذى على نهر الفرات.
تهديد موسم الحنطة
وقوبل هذا الأمر برفض من قبل الأوساط الفلاحية في محافظة البصرة، التي ترى الأمر يضر بها وبالواقع الزراعي في المحافظة، وتراجع مستوى الماء في نهر العز والأنهار الفرعية التي تأثرت بتشغيل تلك المضخات، حسب قول الحاج رياض، وهو أحد فلاحي قضاء المدينة.
ويتابع الحاج رياض قوله إن “فلاحي القضاء يعتمدون على ظاهرة المد في النهر خلال موسم الشتاء، لكن هذا الموسم تأثر الأراضي بسبب مشروع وزارة الموارد المائية بإنعاش هور الجبايش على حسابنا”.
وأضاف رياض أن “كميات الحنطة التي قمنا بزراعتها هذا الموسم، ضعف الموسم الماضي،، لكن عمل المضخات سيقوم بإتلاف كل المحصول في حالة استمر بسحب المياه من أراضينا”.
في حين اعتبر جاسم محمد، وهو أحد فلاحي قضاء الهوير، ما يحصل من تحويل مياه القضاء إلى أهوار الجبايش، “محاولة لسلب القضاء حصته من المياه”، على حد وصفه.
وأشار محمد، إلى أن “المياه التي يتتم تحويلها من قبل الوزارة إلى هور الجبايش، هي حصة البصرة، فلماذا تؤخذ حصتنا وتُعطى للناصرية، التي خصصت لها كل حصة نهر الفرات”.
وأوضح محمد أن “أراضينا تأثرت كثيراً بخطة الوزارة، وهلى الجهات الحكومية التدخل وإيجاد حل لهذه الأزمة قبل وقوع الكارثة وجفاف أراضينا وموت المحاصيل الزراعية فيها”.
من جانبه أكد قائمقام قضاء المدينة رافد الشاوي، رفضه لنصب مضخات عند السدة القاطعة على نهر الفرات، وسحب المياه من حصة المدّينة والبصرة باتجاه الناصرية، لكون “هذا الإجراء تسبب بنتائج سلبية على مزارعي القضاء”.
وأضاف الشاوي، أن “الفلاحين سجلوا شكواهم لدى القائمقامية، ونحن بدورنا أبلغنا الجهات المعنية في حكومة البصرة المحلية لإيقاف هذا الإجراء”.
“لا سلطة فوق سلطة الوزارة”
في حين ردت وزارة الموارد المائية، على اعتراض قائمقام قضاء المدينة وفلّاحيها، مبينة أن إجراءاتها جاءت من أجل معالجة شح المياه، ولا سلطة للوحدات الإدارية والمحافظات فوق سلطة الوزارة وإجراءاتها.
وقال المتحدث باسم وزارة الموارد المائية، خالد الشمالي، في تصريح لمنصة “إيشان”، إن “إجراءات وزارة الموارد المائية دائماً سليمة، لمعالجة شح المياه، وإدارة كل ملف المياه، بما فيها الحفاظ على بيئة الأهوار وشط العرب”.
وأضاف الشمالي، أن “الموارد المائية وزارة اتحادية، ولا توجد سلطة إدارية أو قانونية أو فنية لدى المحافظات ورؤساء الوحدات الإدارية فوق إجراءات الوزارة، لأن الوزارة هي المعنية بإدارة ملف المياه في جميع محافظات جنوب العراق، وهي التي تعرف ما يجب فعله أو ما لا يجب فعله”.
وبيّن الشمالي، أن “اعتراض قائمقام قضاء المدينة، نعتبره اعتراضاً ومحترماً ومحل تقدير، لكن إجراءات الوزارة هي الإجراءات الحقيقية المرتبطة بتحديات الواقع المائي ومعالجة شح المياه وتأمين المياه لجميع المحافظات”.
وتعاني الأهوار في المحافظات الجنوبية للسنة الرابعة على التوالي، من مشكلة الجفاف الذي يلقي بظلاله الثقيلة عليها ويقضي بطريقه على مساحات كبيرة من المسطحات المائية والثروة السمكية فيها وتربية الجواميس.
ومع استفحال الجفاف في الأهوار، ترتفع نسبة الملوحة في المياه، وتنفق الحيوانات التي تشرب من منابع تكون فيها الملوحة عالية جداً.
وقالت الأمم المتحدة خلال العام الماضي، إن موجة الجفاف الحالية هي الأسوأ منذ 40 عاما والوضع “مقلق” على صعيد الأهوار التي خلا 70 % منها من المياه.
وأهوار العراق ما بين النهرين، هي مساحات رطبة موزعة بين الجبايش والحويزة والحمّار، وصنفتها منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (يونسكو) في 2016، تراثا عالميا.
وتشير آخر التقديرات إلى أن مساحة الأهوار تبلغ اليوم حوالى 4 آلاف كيلومتر مربع، بتراجع عن 20 ألف كيلومتر مربع خلال تسعينات القرن الماضي. ولا يزال يقطنها نحو بضعة آلاف من المعدان فقط.
ويعود هذا التراجع خصوصاً إلى ارتفاع درجات الحرارة وشح الأمطار، ما دفع في السنوات الأربع الأخيرة الأهوار نحو الخراب، فيما كانت تعاني أصلاً بفعل سدود بنتها الجارتان تركيا وإيران على نهري دجلة والفرات، بالإضافة إلى إدارة تقليدية للمياه يرى الخبراء أنها غير مناسبة.