يوم الخميس الماضي، عاد رئيسا الحكومة العراقية محمد شياع السوداني، وحكومة كردستان مسرور بارزاني، بعد تحركات منفصلة أجراها الطرفان خلال مؤتمر دافوس الذي أقيم الأسبوع الماضي في سويسرا، في أجواء متوترة في المنطقة على رأسها قصف أربيل من قبل الحرس الثوري الإيراني.
تحركات مسرور بارزاني في المؤتمر، وصفها مراقبون بالفصام داخل الدولة الواحدة، وأنها تشبه “تحركات دولتين مستقلتين”، لا سيما أن مسرور بارزاني عقد عدد لقاءات أكبر من السوداني، كان ورائها وزير خارجية البلاد، الكردي فؤاد حسين.
التمثيل العراقي في منتدى دافوس الاقتصادي الدورة ٥٤، المنعقد في ١٥ كانون الثاني الجاري كان “لافتا للانتباه”، يقول السياسي المستقل، سنان السعدي، في تصريح لمنصة “إيشان”: “إذ يمثل العراق فيه حكومتين وفد الحكومة المركزية بقيادة رئيس مجلس الوزراء محمد السوداني. ووفد حكومة اقليم كردستان العراق بزعامة رئيس حكومة إقليم كردستان مسرور بارزاني”.
وتابع: “اهم ما لفت الانتباه هو تسابق رئيسي الحكومة المركزية وحكومة إقليم كردستان لعقد اكبر عدد من الاجتماعات المنفصلة مع أكبر عدد من القادة والشخصيات المؤثرة في القرار السياسي في العالم، فضلا عن التأثير الاقتصادي. وكان واقع الحال يقول ان في العراق دولتين مستقلتين والذي يوحدهما هو الحياء والخوف من دول الجوار؟”.
وأردف: “اهم ما لاحظته او جذب انتباهي ان رئيسي الحكومتين المركز الإقليم قد خرجا بموقف موحد واعتقد هو الموقف الموحد في منتدى دافوس. وذلك الموقف هو رفضهما اللقاء والاجتماع بوزير خارجية إيران بسبب القصف الإيراني الاخير الذي طال أربيل والذي ذهب ضحيته مجموعة من المدنيين”.
وأكمل: “عودة إلى ماراثون اللقاءات نبدأ بالسوداني الذي التقى عدد غير قليل من رؤساء الدول وصنع القرار ورؤساء الهيئات الدولية كبار المستثمرين”.
وكانت لقاءات السوداني كما يلي: اللقاء بأمين عام الأمم المتحدة غوتيريش وكان الغالب على اللقاء أوضاع غزة والعدوان الصهيوني على أهلنا في فلسطين، والرئيس الفرنسي ماكرون، ورئيس الاتحاد السويسري فيولا امهير، والامين العام لحلف شمال الأطلسي الناتو ، ومستشار الأمن القومي الأمريكي جيك سوليفان، ورئيس مجموعة البنك الدولي، ومديرة صندوق النقد الدولي، ورئيسة المفوضية الأوروبية، ورئيس البنك الأوروبي لإعادة الإعمار والتنمية، واللقاء بوزير التجارة السعودي وبعض المستثمرين السعوديين، واللقاء بوفد مؤسسة تمويل الدولية IFC، والرئيس التنفيذي الإقليمي لبنك جي بي مورغان، فضلاً عن لقائه بمجموعة من الشركات العالمية في مجال النفط والطاقة ومجالات الاقتصاد الأخرى.
ورأى السعدي أنه “من خلال استعراض لقاءات السوداني يتضح للجميع أن السوداني كان قد ركز على الجانب الاقتصادي وأغفل الجانب السياسي على عكس ما سوف نلمسه من خلال استعراض لقاءات مسرور بارزاني رئيس حكومة إقليم كردستان”.
وعن لقاءات بارزاني أشار السعدي إلى أن الأخير التقى “بمستشار الأمن القومي الأمريكي جيك سوليفان، ورئيس وزراء المملكة الأردنية الهاشمية بشر الخصاونة، ووزيرة خارجية فنلندة ألينا فالتونين، ووفد مملكة البحرين برئاسة وزير المالية والاقتصاد الشيخ سلمان بن خليفة ال خليفة، وكلهم أدانوا القصف الإيراني على أربيل”.
وأردف أن بارزاني التقى أيضا بـ”رئيس وزراء ووزير خارجية قطر الشيخ محمد بن عبد الرحمن الثاني، ووزير الاستثمار السعودي، ورئيسة هنغاريا كاتلين نوفاك، ونائب مجلس القيادة الرئاسي اليمني رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي عيدروس الزبيدي، ورئيس جمهورية أرمينيا فاهاغن خاتشاتوريان، ووزير خارجية المملكة المتحدة ديفيد كاميرون، ووزير الصناعة الثروات المعدنية السعودي بندر بن إبراهيم الخريف، والأمين العام لمجلس تعاون دول الخليج العربية جاسم بن محمد البديوي، ووزير خارجية التشيك يان ليفاكسي، والرئيس الفرنسي ماكرون، ورئيس كوريا الجنوبية هان سو، ورئيس وزراء هولندا مارك روثه، ورئيس لبنان نجيب ميقاتي، وممثل الأمين العام للأمم المتحدة في سوريا بيدرسون”.
ورأى السعدي أن “أغلب هذه اللقاءات نجح مسرور خلالها بانتزاع التعاطف مع حكومة أربيل بسبب القصف الإيراني لها فضلا عن فتح أفق جديدة للتعاون بين الإقليم وهذه الأطراف”، مبينا “مما يظهر لنا نشاط وجدية الوفد الكوردي للاستفادة من منتدى دافوس للظهور بمظهر الدولة التي يقودها رجال دولة بخطى واثقة، وهنا نحن نسأل بعد هذا الكم الكبير من اللقاءات التي عقدها الجانب الكردي مقابل اللقاءات التي عقدتها الحكومة المركزية”.
وتساءل السعدي: “هل أصبح المجتمع الدولي أكثر وثوقا بالأكراد مقابل تراجع الثقة بحكومة المركز”.
أما أستاذ العلاقات الدولية محمد عباس، فرأى في تصريح لمنصة “إيشان”، أن “مؤتمر دافوس الاقتصادي الذي يعقد في دورته الـ54 يعد ملتقى سياسي واقتصادي في آن واحد لمواجهة الأزمات العالمية التي تواجه العالم”، مشيراً إلى أن “النقطة الهامة في مشاركة رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني، هو طرحه لمسألة إنهاء تواجد القوات الأمريكية على الأراضي العراقية”.
وأضاف عباس، أنه “بالرجوع للقاءات التي قام بها السوداني، نجد أنه التقى بالرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون، ورئيسة الاتحاد السويسري، والأمين العام لمنظمة الأمم المتحدة، ولقائه أمين عام حلف الشمال الأطلسي، ولقائه بمستشار الأمن القومي الأمريكي، وهذه لقاءات مهمة جداً خصوصاً لقائه برئيس مجموعة البنك الدولي، ومدير عام صندوق النقد الدولي، وايضاً لقاء المفوضية الأوروبية، ورئيسة البنك الأوروبي لإعادة الإعمار والتنمية كما لا ننسى لقاءه وزيري التجارة والاستثمار السعوديين، ووفد مؤسسة التمويل الدولية”.
وتابع عباس: “والتقى أيضاً بالرئيس التنفيذي الإقليمي لنبك ديمورغان وهذه نقطة مهمة تخص التغييرات الجديدة على صعيد السياسة النقدية في العراق، ولقائه ايضاً بالأمين العام لمنظمة التعاون الرقمي، ولقائه برئيس شركات انجر النفطية، وايضاً لقائه بحدود 57 شركة عالمية مختصة بالنفط والطاقة”.
وبيّن عباس، أنه “بالرجوع إلى هذه اللقاءات نجد انه رئيس الوزراء محمد شياع السوداني، انها كانت انتقائية، وبالتالي هو حاول من خلالها توطيد العلاقات مع كثير من الجهات، وخلق قنوات للتفاهم وفتح أبواب الحوار، سواء كانت بجوانب سياسية أو اقتصادية”.
ولفت عباس، إلى أنه “لو قورنت هذه اللقاءات، بلقاءات رئيس وزراء إقليم كوردستان مسرور بارزاني، فقد التقى الأخير بوزيرة الدفاع الألمانية، وزيرة الدفاع الهولندية، وأحد مدراء الشركات الأمريكية، ووزير الخارجية الأردني”، مبيناً أنه “نجد هناك نقطة تحول في طبيعة اللقاءات لإقليم كردستان في تعاملاتها في مثل هذا المؤتمر الدولي، والتي كان من المفترض أن تنسق مسبقاً من قبل وزير الخارجية العراقي فؤاد حسين، بصفته يمثل الحكومة المركزية لتنظيم هكذا لقاءات”.
وأوضح أن “من المفترض أن تكون الجنبة السياسية المتمثلة بلقاءات خاصة بصناعة السياسة الخارجية للبلاد، على مستوى الحكومة المركزية، وليس على مستوى إقليم كردستان”، مشيراً إلى أن “لقاءات حكومة كردستان مع وزراء دول أخرى يجب تسليط الضوء عليها بما يخص السياسة الخارجية للعراق”.
ولفت إلى أن “هذه الفجوة التي قد تتم داخل الدولة العراقية بتعاملاتها الخارجية هي نقطة ضعف وليست نقطة قوة، خصوصاً ونحن نتعامل مع العراق بمجمله، وبالتالي حتى لو كان هناك اختلافات داخل البيت العراقي، كان من المفترض أن يعاد ترتيب الأمور قبل المشاركة في مثل تلك المؤتمرات العالمية”.
وتابع بالقول: “يحتاج صانعي السياسة الخارجية والاقتصادية العراقية اليوم إعادة النظر عند المشاركة في هكذا مؤتمرات عالمية ترسم معالم النظام الاقتصادي العالمي، خصوصاً حين نتحدث عن مؤتمر دافوس، وعن الذكاء الاصطناعي، وعملية الاستدامة المالية في داخل الدول النامية، وكيفية دعم الاقتصادات، وكان من المفترض أن تكون هناك مشاركة فاعلة من العراق ولا تقتصر على مجرد لقاءات ربما تكون غير ذات جدوى خاصة بلقاءات مسرور بارزاني، الذي أخذ جانباً مغاير لما تذهب له الحكومة المركزية”.
وأكمل عباس، أنه “كان من الأجدر إعادة ترتيب البيت العراقي من الداخل، والسياسة الاقتصادية التي من الممكن أن ترسم معالمها من خلال هكذا مؤتمرات دولية، بالاتفاق مسبقاً”.
وختم عباس: “كان من المفترض من وزارة الخارجية العراقية، أن تعد جدولاً للأعمال، أو برنامج مسبق تنظم من خلاله عملية المشاركة داخل هكذا مؤتمرات أو هكذا محافل دولية والتي تعقد عادة في ظل حضور أكثر من 60 رئيس دولة أو حكومة، وحضور أكثر من 1600 شخصية من مدراء تنفيذيين ورجال الأعمال ومشاركة كبيرة كبيرة من مختلف أنحاء العالم، والكثير من الدول التي حققت أهدافها الاقتصادية من خلال هذا المحفل الدولي”.