اخر الاخبار

أمريكا تبتعد عن التربية والعلم والثقافة.. ترامب يعلن الانسحاب رسمياً من “اليونسكو”

  أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، اليوم الثلاثاء، انسحاب بلاده...

محافظ واسط يرهن نفسه في أيدي أسر شهداء الكوت: مستعد للمثول أمام أي لجنة

  أعلن محافظ واسط محمد جميل المياحي، اليوم الثلاثاء، استعداده...

منع وصول السيئين للبرلمان.. اجتماع قضائي يشدد على محاسبة مستخدمي المال السياسي في الانتخابات

في إطار التحضيرات الجارية للانتخابات النيابية المقبلة، استضاف مجلس...

إغلاق أنبوب جيهان.. بغداد في مأزق التصدير والمفاوض ينتظر اختبارا صعبا

في خطوة تحمل أبعادًا سياسية واقتصادية ثقيلة، وقّع الرئيس...

ذات صلة

إغلاق أنبوب جيهان.. بغداد في مأزق التصدير والمفاوض ينتظر اختبارا صعبا

شارك على مواقع التواصل

في خطوة تحمل أبعادًا سياسية واقتصادية ثقيلة، وقّع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان مؤخرًا على قرار إنهاء الاتفاق النفطي التاريخي بين بلاده والعراق، والذي كان قد أُبرم لأول مرة عام 1973 واستمر لأكثر من خمسة عقود، ليصبح واحدًا من أقدم التفاهمات الاقتصادية في المنطقة. القرار الذي أُعلن توقيعه فقط دون أن يدخل بعد حيّز التنفيذ، يُعد تحوّلًا استراتيجيًا في علاقة طالما ارتبطت بمصالح حيوية للطرفين، خاصة في ملف تصدير النفط العراقي عبر الأراضي التركية.

الخبير الاقتصادي التركي جلال بكار يؤكد أن مثل هذا القرار لا يُتخذ بشكل فردي أو خارج السياقات المؤسساتية، مشيرًا إلى أن الرئيس التركي هو صاحب القرار النهائي، لكن لا بد من أن يكون ذلك منسجمًا مع توجهات البرلمان التركي، في إشارة إلى البُعد السيادي الذي تمثّله هذه الخطوة داخل تركيا.

ويضيف بكار في حديث لمنصة “إيشان”: أن “السياسة التركية دأبت على مراجعة الاتفاقيات التاريخية، لا سيما تلك التي تمس الجانب الاقتصادي، ضمن مسعى لتحديث الأولويات الوطنية وبناء سياسة خارجية واقعية تأخذ بعين الاعتبار المتغيرات الإقليمية.

من وجهة نظر عراقية، يطرح هذا القرار سلسلة من التحديات.

جلال بكار يشير إلى أن العراق قد يواجه منغصات مباشرة نتيجة هذا التحول، نظرًا إلى أن تركيا تمتلك موقعًا استراتيجيًا فريدًا يربط آسيا بأوروبا، ما يجعلها حلقة وصل حيوية بين الاقتصاد العراقي والأسواق العالمية، خصوصًا شركات النفط الكبرى والاتحاد الأوروبي. ويُعقّد غياب البدائل الجغرافية الفاعلة من قدرة العراق على تجاوز هذا الإغلاق دون تكلفة، سواء في البنية التحتية أو على مستوى الزمن اللازم لتأسيس ممرات تصدير جديدة.

أما الخبير الاقتصادي علاء الفهد، في حديث لمنصة “إيشان”، يرى أن قرار وقف تصدير النفط العراقي عبر الأراضي التركية لا يأتي بمعزل عن السياق الذي سبق توقيعه، مستذكرًا قرار المحكمة الدولية في عام 2023، والذي فرض وقف التصدير عبر خط كركوك–جيهان.

ويشير إلى أن هذا القرار شكّل لحظة فاصلة أدّت إلى وقف فعلي للتصدير من الشمال وتحميل موانئ الجنوب كامل عبء الصادرات العراقية، ما تسبب في ضغوط فنية ولوجستية على تلك المنافذ.

وبحسب الفهد، فإن استئناف التصدير عبر تركيا لن يكون ممكنًا مستقبلاً إلا بموجب اتفاق جديد تبرمه الحكومة الاتحادية حصراً، بعيدًا عن أي دور لحكومة إقليم كردستان في التفاوض أو التصدير، الأمر الذي من شأنه أن يعزز السيادة الوطنية على ملف النفط، وينهي حالة التداخل الإداري التي ميزت السنوات الماضية.

لكنه لا ينكر أن هذا التحول سيحمل في مراحله الأولى آثارًا سلبية على العراق، إذ ستزداد التكاليف، وستُحجم بعض الشركات عن الاستثمار في ظل الغموض القانوني المؤقت.

رغم هذه التحديات، يرى الفهد أن القرار التركي يمكن أن يُحوَّل إلى فرصة استراتيجية، إذ قد يكون بوابة نحو اتفاق شامل يعيد تنظيم العلاقات الاقتصادية بين بغداد وأنقرة. ويشير إلى أن الاتفاقات القادمة ستتجاوز النفط، لتشمل ملفات التجارة والبنية التحتية ومشاريع النقل، ما يعزز فرص الاستقرار ويضع العلاقة بين البلدين على أسس قانونية متينة.

هذا التصور يتقاطع مع ما جاء في تعليق مجموعة “اقتصاديون”، التي وصفت القرار بأنه تحوّل جوهري يمس شرياناً حيوياً لتصدير نفط شمال العراق.

وأشارت المجموعة إلى أن الخط الممتد من كركوك إلى ميناء جيهان التركي يمثّل منفذًا رئيسيًا لنحو نصف صادرات العراق الشمالية، وأن إغلاقه يعرض العراق لخسارة تصدير أكثر من 500 ألف برميل يوميًا.

ووصفت الإنهاء المرتقب بأنه ضربة اقتصادية مباشرة في لحظة تعاني فيها البلاد من أزمات مالية عميقة، ويُحتمل أن يؤدي إلى تصعيد سياسي جديد في العلاقات الثنائية.

وبينما تلمّح بعض التقديرات إلى أن القرار قد يكون جزءًا من استراتيجية تفاوضية تركية، تهدف إلى إعادة صياغة العلاقة مع العراق بشروط جديدة، فإن وجود مهلة زمنية حتى عام 2026 يمنح مساحة للتحاور، وربما لتسوية النزاعات العالقة، وعلى رأسها الخلاف حول مستحقات تصدير نفط الإقليم عبر تركيا.

في المدى المنظور، تبدو الصورة ضبابية، لكن المؤكد أن القرار يضع العراق أمام اختبار دقيق على المستويين الاقتصادي والسياسي، كما يضع تركيا في موقع قوة تفاوضية تستند إلى موقعها الجغرافي ودورها في أسواق الطاقة.

ويجمع خبراء واقتصاديون على أن تداعيات قرار أنقرة ستظل مفتوحة على احتمالات متعددة، لكن جوهرها يظل مرهونًا بقدرة المفاوض العراقي على إدارة المرحلة المقبلة بمرونة ووعي استراتيجي. فبينما تسعى تركيا لإعادة ترتيب أوراقها في ملف الطاقة وفق مصالحها الإقليمية والدولية، يبقى على بغداد أن تدخل أي مفاوضات جديدة من موقع السيادة لا رد الفعل، مستندة إلى وحدة القرار الاتحادي ورؤية واضحة تنأى عن الصراعات الداخلية، وتضع مصلحة العراق الاقتصادية فوق كل اعتبار.