قال الخبير الاقتصادي منار العبيدي إن العراق أنفق نحو 200 مليار دولار على قطاع الكهرباء خلال العقدين الماضيين دون تحقيق نتائج ملموسة، مشيراً إلى أن المشكلة باتت بنيوية وتتطلب حلولًا جذرية وليست ترقيعية.
وأوضح العبيدي، بالاستناد إلى بيانات وزارة المالية لعام 2024، أن “إجمالي الإنفاق المباشر على قطاع الكهرباء، بما يشمل النفقات التشغيلية والاستثمارية، بلغ حوالي 10.45 تريليون دينار عراقي، أي ما يعادل نحو 8 مليارات دولار أميركي خلال عام واحد فقط”.
وتوزعت النفقات بواقع ة3.39 تريليون دينار لأجور الكهرباء، و3.3 تريليون دينار لنفقات الوقود المستورد لتشغيل المحطات، و1.2 تريليون دينار ضمن الموازنة الاستثمارية لوزارة الكهرباء، بالإضافة إلى 2.3 تريليون دينار نفقات أخرى تشمل التعويضات والمنح والرواتب، فضلاً عن 238 مليار دينار مخصصة لاستيراد الطاقة من الخارج”.
وأشار إلى أن “هذه الأرقام تمثل الإنفاق المباشر فقط، في حين تُضاف إليها نفقات غير مباشرة تتعلق بالدعم الحكومي وتكاليف الفاقد الفني والتجاري في الشبكة الكهربائية، والتي لا تقل أهمية في استنزاف الموارد المالية للدولة”.
ولفت العبيدي إلى “غياب بيانات دقيقة بشأن حجم الجباية السنوية من المواطنين، مما يصعّب من تحديد الفجوة الحقيقية بين الإنفاق والعائدات”، مبيناً أن “هذه الفجوة تمثل خسائر متكررة تتحملها الدولة سنوياً، في ظل غياب معالجات فعلية لها”.
وأكد أن “ملف الكهرباء بات أحد أعقد التحديات في العراق، خاصة أن المعالجات الجزئية لم تعد مجدية في ظل استمرار المركزية وضعف الإدارة وغياب الرقابة وانتشار الفساد، وهي عوامل ساهمت في هدر المال العام دون أي تطوير فعلي للبنى التحتية”.
واقترح العبيدي أن “يتم نقل صلاحيات إنتاج وتوزيع وجباية الكهرباء من الحكومة المركزية إلى الحكومات المحلية، مبيناً أن “المحافظات يمكن أن تتولى التعاقد مع شركات لإنشاء وحدات إنتاج كهربائي تعتمد على مصادر متنوعة للطاقة، كما يمكنها إدارة عمليات الجباية بشكل مباشر، ما من شأنه تعزيز الكفاءة وتقليل الهدر والفساد”.
وأشار إلى أن “دور الحكومة المركزية يجب أن يقتصر على وضع التشريعات العامة وتنظيم السوق، بما يتيح للمحافظات العمل بمرونة وفق احتياجاتها الخاصة، مع إمكانية خلق سوق محلية لتبادل الكهرباء بين المحافظات ذات الوفرة وتلك التي تعاني من عجز بالإمدادات”.
وختم العبيدي بالقول إن “إلغاء وزارة الكهرباء بالكامل وتحويل إداراتها إلى مديريات تابعة للمحافظات قد يكون المدخل الحقيقي للإصلاح”، محذراً من أن استمرار المركزية الحالية سيبقي العراق في دائرة استنزاف الموارد دون تحقيق أمن كهربائي مستدام”.