يواجه العراق تصاعدًا خطيرًا في أزمة المياه، وسط تحذيرات أممية من تداعيات الجفاف على الصحة العامة والزراعة، فيما تتبنى منظمة الأمم المتحدة للطفولة “يونيسيف” إطلاق دراسة لتحديث حصة الفرد اليومية من المياه، في وقت تتراجع فيه مستويات الأنهار والخزانات إلى مستويات غير مسبوقة.
وذكرت اليونسيف في تصريح صحفي، أنها “تتبنى في الوقت الحالي دراسة لتحديث حصة الفرد اليومية، تتضمن احتساب الطلب والاستهلاك، وإقامة حملات في مناطق مختارة للتقييم”، وبينت المنظمة أنه “سبق لها أن دعمت مثل هذه الحملات في مناطق مختلفة في (بغداد والنجف والبصرة)، تضمنت احتساب الفاقد في المنازل وتوزيع أدوات ترشيد استهلاك المياه المنزلية، التي تعمل على مبدأ خلط الماء والهواء، وقد أثبتت جدارتها بذلك”.
وتابعت “يونيسيف”، أن “الجهود الحكومية والدعم الأممي لجني ثمار هذه الإنجازات، مرهونة بمدى وعي المواطنين للحفاظ على هذه الخدمات”، وبينت أنه “مع أنها (منظمة يونيسيف) لا تلقي بعبء المسؤولية مباشرةً على المواطنين، إلا أنها تشدد على تمكين المجتمعات والشباب كجزء من الحل، من خلال (تمكين الشباب من قيادة العمل المناخي المستدام وإحداث تغيير دائم)، و(تعزيز الحلول المجتمعية) لتحسين إدارة المياه، وإشراك المواطنين من خلال مناهج تصميمية تركز على الإنسان لبناء الوعي، وزيادة الطلب، وتغيير السلوكيات المتعلقة بالاستخدام الآمن والمستدام للمياه”.
التحرك الأممي يأتي في وقت تشير فيه المؤشرات المناخية إلى أن العراق يعاني من واحد من أشد مواسم الجفاف في تاريخه الحديث. فقد أظهرت بيانات محلية ودولية أن مخزون المياه في البلاد انخفض بنسبة تتجاوز 60% مقارنة بالأعوام السابقة، وسط تراجع واضح في معدلات الأمطار والثلوج، خاصة في مناطق إقليم كردستان.
بحيرة دوكان، وهي واحدة من أكبر الخزانات المائية في شمال العراق، لم تعد تتجاوز ربع طاقتها التخزينية، بحسب تقارير الأقمار الصناعية. كما تشير تقارير أخرى إلى أن بعض السدود، مثل سد الموصل وسد حديثة، بدأت تفقد فعاليتها بسبب الهبوط الحاد في منسوب المياه، ما أثار مخاوف من أزمة تمتد إلى مياه الشرب والري.
ويؤكد خبراء في البيئة والمياه أن الأسباب لا تتعلق فقط بالتغير المناخي، بل أيضًا بالإجراءات الأحادية التي تتخذها دول الجوار، مثل تركيا وإيران، عبر بناء السدود وتحويل مجاري الأنهار. ورغم وجود اتفاق مؤقت بين العراق وتركيا في عام 2024 لتحديد حصة يومية من المياه، إلا أن هذه الالتزامات غالبًا ما يتم خرقها، وفقًا لمصادر رسمية في وزارة الموارد المائية.
وفي هذا السياق، حذرت “يونيسيف” من أن نقص المياه لا يهدد فقط الأمن الغذائي، بل ينعكس أيضًا على صحة الأطفال والتعليم. فقد أشارت المنظمة إلى أن العديد من المدارس تفتقر إلى مياه صالحة للشرب، مما يؤدي إلى تفاقم المشاكل الصحية والتغذوية لدى التلاميذ، ويزيد من نسب التسرب المدرسي في بعض المناطق الريفية.
كما يشير مراقبون إلى أن شح المياه أدى إلى هجرة آلاف العائلات من مناطقهم، خاصة في محافظات جنوب العراق مثل البصرة وذي قار وميسان، حيث تقلصت الأراضي الزراعية وارتفعت نسب الملوحة في التربة، ما أدى إلى خسائر كبيرة في المحاصيل الزراعية.
وفي محافظة كركوك، أفاد مزارعون بأنهم اضطروا إلى حفر آبار ارتوازية بجهود شخصية، بعد أن توقفت شبكات الري الحكومية عن تزويدهم بالمياه منذ أكثر من عام. وقال أحد المزارعين في حديث لـ”إيشان”: “لم نعد نزرع كما في السابق، كل شيء يموت، الأرض لا تعطينا شيئًا، والمياه الجوفية بدأت تنضب أيضًا”.
من جهة أخرى، يشير باحثون في شؤون المياه إلى أن العراق بحاجة إلى استراتيجية وطنية واضحة لمواجهة هذه الأزمة، تتضمن إصلاح شبكات التوزيع القديمة، وتوسيع مشاريع تحلية المياه في المحافظات الجنوبية، وتحديث قوانين الاستخدام الزراعي. ويؤكد هؤلاء أن أزمة المياه في العراق لم تعد مؤقتة أو موسمية، بل باتت تمثل تحديًا بنيويًا طويل الأمد.