اخر الاخبار

الداخلية: فيديو شرطي المرور المرتشي قديم.. والعقوبة نُفذت منذ سنوات

أكدت وزارة الداخلية، اليوم الثلاثاء، أن مقطع الفيديو الذي...

رحيل أيقونة هوليوود روبرت ريدفورد عن 89 عاماً

توفي اليوم الممثل والمخرج الأمريكي الشهير روبرت ريدفورد عن...

بعد إصدار النشرة الحمراء.. استرداد مسؤول عراقي هارب منذ 2013

أعلنت هيئة النزاهة الاتحادية، اليوم الثلاثاء، عن استرداد المدير...

شبكة سورية: قوة عراقية توغلت في ريف دير الزور الشرقي وحذرت من الاقتراب نحو الحدود

أفادت شبكة “تلفزيون سوريا”، نقلاً عن مصادر محلية، أن...

ذات صلة

العراق وإكسون موبيل: نحو استراتيجيات جديدة لتسويق النفط وتعظيم العائدات في أسواق آسيا

شارك على مواقع التواصل

مقال / عامر عبد رسن – نائب رئيس هيئة مراقبة تخصيص الواردات الاتحادية

مقدمة: من بيع الخام إلى السيطرة على سلسلة القيمة

منذ عقود، اعتمد العراق في اقتصاده على تصدير النفط الخام بشكل شبه حصري، حيث تذهب أغلب شحناته مباشرة إلى المشترين عبر المنافذ التصديرية الجنوبية أو عبر خطوط الأنابيب إلى تركيا. ورغم أن هذا الأسلوب يحقق تدفقاً مستمراً للإيرادات، إلا أنه يجعل العراق أسيراً لتقلبات الأسعار الفورية (Spot Market) ومحدودية هوامش الربح.

اليوم، المفاوضات المتقدمة بين شركة تسويق النفط (سومو) وشركة إكسون موبيل الأميركية لتأمين سعات تخزين وتكرير في آسيا ليست مجرد خطوة تشغيلية، بل تعكس تحولاً في عقلية إدارة النفط العراقية.
إنها بداية خروج من دائرة “البيع الفوري” إلى دائرة “إدارة القيمة الكاملة” للبرميل العراقي عبر سلسلة متكاملة: استخراج، تخزين، تكرير، وإعادة التصدير.

أولاً: لماذا آسيا؟ مركز ثقل الطاقة العالمي
• نمو الطلب المتسارع: الصين وحدها تستورد ما يزيد على 11 مليون برميل يومياً، والهند أكثر من 5 ملايين، بينما تمثل جنوب شرق آسيا منطقة طلب متنامٍ خاصة في الصناعات البتروكيمياوية.
• المراكز اللوجستية: ميناء سنغافورة يُعد قلب تجارة النفط الآسيوية، حيث تتوفر فيه إمكانات ضخمة للتخزين وإعادة البيع، ما يجعله محوراً لأي استراتيجية تسويقية ناجحة.
• أمن الأسواق: بينما تعتمد أوروبا بشكل متزايد على الطاقات البديلة، تبقى آسيا متمسكة بالنفط والغاز لعقود مقبلة، وهو ما يمنح العراق استقراراً في الطلب بعيد المدى.

ثانياً: مزايا المشروع الاقتصادي
1. تحسين التسعير
عندما يُخزَّن النفط في مراكز قريبة من الأسواق، يصبح بالإمكان بيعه وفقاً لـ”نافذة السعر” التي تمنح مرونة أكبر مقارنة بالبيع المباشر من موانئ البصرة.
2. التكرير وتعظيم القيمة
النفط الخام قد يُباع بـ ٧٥ دولاراً للبرميل، لكن عند تكريره إلى مشتقات مثل البنزين، الديزل، الكيروسين، والبتروكيمياويات، قد تصل قيمة منتجاته إلى ٦ أو ٧ أضعاف سعره الخام، أي بين ٤٠٠ و٥٠٠ دولار للبرميل الواحد في الأسواق الآسيوية.
3. تنويع المخاطر
التواجد في آسيا يقلل من الاعتماد على مشترٍ واحد أو منطقة واحدة.
مثلاً، في حال تعطل خط جيهان التركي أو تأزم الوضع في الخليج، يمكن للعراق أن يسوّق جزءاً من نفطه عبر المخازن الآسيوية.
4. إدارة ذكية للمخزون
تخزين النفط في آسيا يتيح للعراق المرونة الزمنية لبيع نفطه في أوقات ارتفاع الأسعار، بدلاً من الاضطرار إلى البيع عند الانخفاض.

ثالثاً: اتفاقية ميناء الدقم – بوابة العراق نحو العالم

اتفاقية استخدام ميناء الدقم العُماني (شرحناه تفصيلاً في مقال سابق)
تمنح العراق منفذاً استراتيجياً بعيداً عن مخاطر الخليج ومضيق هرمز.
ربط المفاوضات مع إكسون موبيل بخيارات الدقم يُعزز ما يلي:
• منصة لإعادة التصدير: يمكن شحن النفط العراقي إلى الدقم، ومن هناك توزيعه إلى الأسواق الآسيوية عبر ناقلات عملاقة.
• مركز للبتروكيمياويات: يمكن للدقم أن يستضيف استثمارات عراقية–عمانية مشتركة في مجالات التكرير والتصنيع.
• تحصين الأمن الطاقي: عبر الدقم، يتجنب العراق الاعتماد الكامل على موانئ الخليج المزدحمة والمعرضة للتوترات الأمنية.

رابعاً: دروس من التجارب الدولية
1. السعودية (أرامكو): تمتلك مصافي ومخازن في الصين وكوريا واليابان، مما يضمن لها عقود توريد طويلة الأمد ويعزز نفوذها السياسي.
2. الإمارات (أدنوك): نجحت في الحصول على سعات تخزين استراتيجية في الهند واليابان، ما يجعلها مورداً مفضلاً في الأزمات.
3. إيران: رغم العقوبات، استغلت أدوات مشابهة عبر البيع الرمادي وتخزين النفط بطرق غير مباشرة في دول آسيوية.
4. الكويت: تدير شبكة استثمارات تكريرية في فيتنام وآسيا، ما يمنحها حصة سوقية مضمونة لجزء من إنتاجها.

هذه النماذج تبيّن أن من يسيطر على المصافي والأسواق النهائية يسيطر على السعر والقرار.

خامساً: العراق والفرصة الضائعة – من الخام إلى المكرر
• العراق يصدر يومياً أكثر من 3.5 مليون برميل، معظمها خام.
• إذا تمكّن العراق من تكرير حتى 20% من إنتاجه في مصافي آسيوية (الصين، الهند، كوريا)، فإن العائد قد يقفز إلى ما يزيد عن 40 مليار دولار إضافية سنوياً، مقارنة ببيعه كخام.
• المصافي العالمية لا تكتفي بإنتاج الوقود، بل تنتج البتروكيمياويات والبوليمرات التي تدخل في الصناعات الحديثة (السيارات، الإلكترونيات، الأدوية).

سادساً: التحديات أمام العراق
1. ضعف البنية التحتية الداخلية: المصافي العراقية قديمة ومحدودة القدرة على إنتاج مشتقات عالية الجودة.
2. غياب الشراكات الاستراتيجية: اعتماد العراق تاريخياً على البيع المباشر حدّ من بناء تحالفات مع الشركات الكبرى.
3. البيروقراطية والفساد: أي عقد دولي يحتاج إلى شفافية عالية كي لا يفقد ثقة الشركاء.
4. التوازن مع أوبك+: اذ يجب ألا يُفهم أي توسع تسويقي على أنه التفاف على التزامات الإنتاج.

سابعاً: نحو استراتيجية متكاملة للتسويق الدولي

المفاوضات مع إكسون موبيل واتفاقية الدقم ليستا مبادرتين منفصلتين، بل يجب أن تكونا جزءاً من استراتيجية متكاملة ضمن الخطة العشرية للحكومة القادمة ٢٠٢٦ – ٢٠٣٥ تتضمن:
1. إنشاء صندوق تحوط نفطي لإدارة تقلبات الأسعار.
2. الاستثمار في مصافي آسيا عبر شراكات طويلة الأمد.
3. إطلاق منصة شفافة لبيانات الصادرات تبني ثقة السوق وتمنع الفساد.
4. تشجيع البتروكيمياويات كمسار أساسي لمضاعفة قيمة البرميل.

ثامناً: البعد السياسي والاستراتيجي

هذه التحركات ليست اقتصادية فحسب، بل سياسية أيضاً:
• تعزيز العلاقات مع الصين والهند وكوريا يمنح العراق أوراق ضغط في مواجهة أي ضغوط أخرى.
• تنويع مسارات التصدير يضع العراق في موقع قوة داخل أوبك وخارجها.
• المشاركة في سلاسل القيمة العالمية تعني أن العراق لن يُنظر إليه فقط كمورد خام، بل كشريك صناعي وتجاري.

خاتمة: من “بائع خام” إلى “شريك صناعة”

الخطوة التي تخطوها سومو مع إكسون موبيل، إذا أُحسن استكمالها وربطها بمشاريع مثل ميناء الدقم والدخول إلى مصافي آسيا، قد تمثل بداية تحول تاريخي في الاقتصاد النفطي العراقي.

فبينما يبيع العراق اليوم البرميل بـ٧٥ دولاراً، يمكن أن يتحول غداً إلى لاعب يصدر منتجات نفطية وبتروكيمياوية تعادل قيمتها ٧ أضعاف ذلك الرقم. هذا ليس حلماً، بل واقعاً طبقته السعودية والإمارات وتركيا والهند، والعراق يملك كل المقومات للّحاق بهذا الركب.

النفط لم يعد مجرد “ثروة طبيعية”، بل أداة لإعادة التموضع السياسي والاقتصادي عالمياً. والرهان الحقيقي ليس في حجم الإنتاج، بل في القدرة على تحويل البرميل إلى قيمة مضاعفة، تضمن السيادة المالية وتفتح أبواب التنمية المستدامة.