يشهد سوق النفط العالمي تقلبات حادة بفعل التغيرات السياسية والاقتصادية المتسارعة، كان آخرها توقعات بإنهاء الحرب في أوكرانيا، وسياسات الرئيس الأميركي دونالد ترامب التي قد تقلب موازين السوق. هذه التحولات لا تعني فقط تراجعًا محتملًا في أسعار النفط، بل تحمل في طيّاتها خطرًا مباشرًا على الدول التي تعتمد على النفط كمصدر أساسي لإيراداتها، وعلى رأسها العراق، الذي يبني موازنته العامة على صادرات النفط بنسبة تفوق 90%.
ومنذ عودة الرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى الساحة السياسية، أعاد تفعيل سياساته “الحمائية”، فارضا رسومًا جمركية على واردات من دول عدة، أبرزها الصين وكندا والمكسيك. هذه الإجراءات أثارت مخاوف من نشوب حرب تجارية عالمية، مما أدى إلى تراجع أسعار النفط نتيجة توقعات بانخفاض الطلب العالمي على الخام.
الحد الأدنى للهبوط
وقال الخبير النفطي هيثم النعيمي لمنصة “إيشان” إن التأثيرات السياسية، مثل فرض الرسوم الجمركية من قبل ترامب، تؤثر على أسعار النفط لفترة وجيزة فقط. وأضاف أن العوامل الاقتصادية وسوق العرض والطلب تبقى المحرك الرئيسي لسوق الطاقة.
وأشار إلى أن قرار أوبك+ الأخير برفع نسبة المعروض أدى إلى انخفاض الأسعار، كما أن الرسوم الأميركية على الصين، ثاني أكبر مستهلك للنفط، ستؤدي إلى انكماش اقتصادها، وبالتالي انخفاض الطلب العالمي.
وأكمل النعيمي: رغم ذلك، هناك حد معين لهبوط الأسعار. فإذا ما انخفض سعر البرميل عن 62 دولارًا، فإن شركات النفط الصخري الأميركية ستتوقف عن الإنتاج لغياب الربحية، مما يقلل المعروض ويرفع الأسعار مجددًا.
وختم بالقول: انخفاض أسعار النفط إلى 60 دولارًا هو أمر مؤقت، وستعاود الارتفاع بمجرد تراجع المعروض العالمي.
خسائر ما بعد الحرب
من جهته أوضح الخبير النفطي بلال الخليفة لمنصة “إيشان” أن الأزمة الأوكرانية قد أنعشت الإيرادات النفطية للدول المنتجة، ومنها العراق، الذي يعتمد بنسبة 90% من مجمل إيراداته العامة على النفط. وأضاف أن اندلاع الحرب رفع الأسعار حتى وصلت إلى 120 دولارًا للبرميل في أسابيعها الأولى، وسط مخاوف من انقطاع الإمدادات.
وأردف الخليفة أن بعض التوقعات آنذاك رجّحت وصول الأسعار إلى 300 دولار للبرميل، في حال حدوث انقطاع تام. لكن، ومع تعايش السوق مع الأزمة، استقرت الأسعار لاحقًا حول 80 دولارًا، بعد أن وجدت روسيا منافذ بديلة لتصدير نفطها بأسعار مخفضة، خاصة إلى الصين.
وتابع بالقول: الأزمة أثرت على الاقتصاد العالمي باتجاهين؛ الأول هو تحقيق الدول المنتجة لعوائد مالية كبيرة، بينما زادت الأعباء على الدول المستهلكة. أما الاتجاه الثاني، فتمثل في ارتفاع تكلفة الطاقة للمصانع والنقل، ما تسبب بزيادة أسعار السلع وبلوغ التضخم 8% عالميًا، حسب بعض الإحصائيات.
وأشار الخليفة إلى أن الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، وخلال حملته الانتخابية، وعد بإنهاء الحرب الأوكرانية، وأرسل رسائل إيجابية إلى روسيا تعكس تحولًا في الاستراتيجية الأميركية نحو استمالة موسكو بدل استعدائها. وأكمل أن نهاية الحرب أصبحت وشيكة، ما سينعكس بشكل مباشر على أسعار النفط التي ستتجه إلى مزيد من الانخفاض مع زوال التوتر العالمي على الطاقة.
كما لفت إلى أن ترامب ضمن برنامجه الانتخابي بندًا واضحًا يدعو لخفض أسعار النفط، مما يشكّل ضغطًا إضافيًا على السوق.
وفي هذا السياق، نوه الخليفة إلى تحركات أوبك+ لضبط الأسعار عند مستويات معقولة عبر تقليص الإنتاج، لكن هذه الخطوة تواجه تهديدًا من تشريع أميركي محتمل يعرف بـ”نوبك”، يتيح معاقبة الدول التي تتحكم بأسعار النفط بشكل يؤذي المستهلكين.
وختم تصريحه بالقول: في ظل هذه العوامل، من المتوقع أن تنخفض أسعار النفط إلى حدود 60 دولارًا، وهو ما سيؤثر بشدة على اقتصاد العراق المعتمد كليًا على النفط. وأشار إلى أن موازنة العراق مبنية على سعر 75 دولارًا للبرميل، فيما يقدّر العجز الحالي بنحو 60 تريليون دينار. وفي حال استمرار التراجع، قد تتخذ الحكومة إجراءات تقشفية صارمة، تشمل تخفيض قيمة الدينار، واللجوء إلى الاستدانة، وتقليص الإنفاق الاستثماري، وزيادة الضرائب والجبايات.