اخر الاخبار

مذكرة قبض بحق الشاعر عبد الحسين الحاتمي بتهمة الاعتداء على المعتقدات الدينية

    أصدرت رئاسة محكمة استئناف بغداد/الكرخ، اليوم الثلاثاء، مذكرة قبض...

1500 علوي قٌتلوا.. تحقيق جديد: 10 فصائل متطرفة ارتكبت مجازر الساحل السوري في 40 موقعاً

كشف تحقيق لوكالة "رويترز"، عن تفاصيل جديدة عن مجازر...

قناة عبرية: خطوات جادة من الشرع للانفتاح ثم التطبيع مع الكيان

نقلت القناة 12 العبرية، عن مصادر تقديراتها بالتوصل إلى...

الحكومة الإيرانية تعلن تمسكها بمسار المفاوضات رغم عدم تأكدها من النتائج

أعلنت الحكومة الإيرانية، اليوم الثلاثاء، تمسكها بمسار المفاوضات، مع...

ذات صلة

ثلاثة تريليونات وآلاف النعوش: فواتير الدم والدولار الأمريكية في حرب العراق

شارك على مواقع التواصل

في ربيع 2003، حين أعلن الرئيس الأمريكي جورج بوش الابن من على ظهر حاملة طائرات أن “المهمة أنجزت”، لم يكن يعلم أن تلك العبارة ستُسجَّل في التاريخ لا كإعلان نصر، بل كأيقونة للسخرية السوداء. لم تكن المهمة قد بدأت فعلًا. العراق دخل نفقًا طويلًا من العنف والانهيار، والولايات المتحدة نفسها غرقت في مستنقع دموي باهظ الثمن، لا تزال تدفع فواتيره حتى اليوم – لا على شكل أموال فقط، بل على شكل جرحى وقتلى ومعاقين نفسيًا وجسديًا.

وعد الستين مليارًا

حين بدأ الحديث عن غزو العراق، قدّر البيت الأبيض أن تكاليف الحرب لن تتجاوز 60 مليار دولار. لكن ما حصل فعليًا، كما تثبته دراسات موثوقة من جامعة براون، أن الرقم تجاوز 3 تريليونات دولار إذا ما شملنا النفقات المستقبلية على المحاربين القدامى والفوائد على الديون.

البنتاغون أنفق مباشرة 815 مليار دولار فقط على العمليات في العراق، من بينها تمويل القوات، شراء الأسلحة، وتكاليف الخدمات اللوجستية. لكن الحقيقة أن تلك كانت قمة جبل الجليد.

الخبيرة الاقتصادية ليندسي جرهم من جامعة هارفارد وصفت ما جرى بـ”المحاسبة المضادة”، إذ أُخفيت النفقات الحقيقية خلف أبواب مغلقة وعناوين فرعية مضلّلة، في حين كانت شركات خاصة كـ”هاليبرتون” تحصد عقودًا بالمليارات لإدارة خدمات كانت من صلب عمل الجيش سابقًا.

مَن يدفع؟

أُديرت الحرب عبر الاقتراض. لم تُفرض ضرائب جديدة، ولم يُطلب من المواطن الأمريكي سوى أن يشاهد المشهد من بيته. ما يعني أن الفاتورة لم تُدفع في 2003، بل سُحبت على المكشوف من مستقبل الأجيال القادمة.

حتى عام 2022، قُدّر أن الفوائد على الأموال المقترضة لتمويل الحرب ستُكلف الخزينة الأمريكية نحو 2 تريليون دولار إضافية بحلول عام 2050. الحرب انتهت رسميًا، لكن حسابها البنكي لا يزال نشطًا، والفائدة تتكاثر.

كنز الحرب

في قلب كل حرب، يوجد من يربح. شركة “هاليبرتون” التي كان ديك تشيني نائب الرئيس أحد كبار مديريها السابقين، حصلت على عقود بمليارات الدولارات دون مناقصات. تولّت الشركة مهام الطبخ، التنظيف، الإمداد، والوقود، وأحيانًا بأثمان أغلى 10 مرات من سعر السوق. تم الكشف عن فساد مالي وتضخيم فواتير، لكن الحسابات أُغلقت بصمت.

كما حصلت شركات أمنية خاصة مثل “بلاك ووتر” على صلاحيات كاملة لتنفيذ عمليات ميدانية، بعيدًا عن أعين القانون الأمريكي والدولي، ما زاد من حالات العنف والمساءلة المنعدمة.

حتى عام 2025، سجّلت وزارة الدفاع الأمريكية سقوط 4,419 جنديًا أمريكيًا في العراق، وأكثر من 31,993 جريحًا. هذا الرقم لا يشمل الجنود الذين أُصيبوا بأمراض نفسية أو اضطرابات ما بعد الصدمة، والذين يُقدّر عددهم بأكثر من 100 ألف جندي عادوا من العراق محمّلين بكوابيس لا تهدأ.

واحد من كل ثلاثة جنود قاتلوا في العراق عاد بحاجة لعلاج نفسي دائم. كثير منهم لم يجدوا رعاية كافية، وانتهى الأمر ببعضهم إلى الانتحار، أو التشرّد، أو العودة إلى ساحات القتال في أفغانستان.

موت مؤجّل

أظهرت دراسة أجريت على محاربين قدامى من العراق أن نسبة الانتحار بينهم تضاعفت مقارنة بمن لم يشاركوا في القتال. أحد التقارير الرسمية أفاد بأن 22 جنديًا أمريكيًا ينتحرون يوميًا، جزء كبير منهم خدم في العراق أو أفغانستان.

الحديث عن “التكلفة البشرية” لم يكن يومًا في صلب السرد السياسي الأمريكي، بل تم طمسه عبر احتفالات شكلية وتكريمات مفرغة من الدعم الفعلي. بعبارة أخرى: شكروهم على خدمتهم، ثم تركوهم وحدهم.

في الوقت الذي كانت تُصرف فيه مليارات الدولارات على حرب العراق، كان البنية التحتية الأمريكية تتآكل. الجسور تهرّأت، المدارس العامة أُهملت، وأقساط الجامعات ارتفعت بشكل جنوني.

قال السيناتور بيرني ساندرز ذات مرة: “بـ3 تريليونات دولار، كان بإمكاننا تأمين التعليم الجامعي المجاني لكل أمريكي لعشرين عامًا قادمة.”

الحرب لم تكن فقط كارثة خارجية، بل أيضًا فرصة ضائعة داخليًا. كل دولار صُرف في صحراء الأنبار كان يعني حرمان مدينة أمريكية من تحديث شبكتها الصحية أو تحسين مدارسها.

الحرب لم تنتهِ

انسحبت القوات الأمريكية رسميًا من العراق في 2011، ثم عادت جزئيًا في 2014 لمحاربة “داعش”. الحرب لم تنتهِ فعليًا، بل دخلت في طور “الظل”؛ قوات خاصة، طائرات بدون طيار، وتمويل حكومات وأجهزة أمن محلية.

الوجود العسكري الأمريكي لا يزال قائمًا، وإن تغيرت تسميته. والتكاليف مستمرة: تدريب، تسليح، دعم لوجستي، ورعاية جنود ينتقلون من مهمة لأخرى.

الجنرالات يعترفون

الجنرال الأمريكي المتقاعد بول إيتون، أحد كبار قادة الحرب، قال بعد تقاعده:
“دخلنا العراق دون خطة لما بعد النصر. أنفقنا المليارات لنكتشف أننا لم نعرف البلد الذي غزوناه.”

هذا التصريح، رغم صدقه، أتى بعد فوات الأوان. في حين كانت واشنطن تحتفل بإسقاط التماثيل، كانت بغداد تحترق، وكانت الجماعات المسلحة تولد من رحم الفوضى، ممهدة الطريق لحروب لا تنتهي.

الحرب على العراق كانت مأساة حسابية. خُطط لها وكأنها صفقة قصيرة الأجل، وانتهت بفاتورة ضخمة على كل المستويات. تريليونات من الدولارات، آلاف القتلى، عشرات الآلاف من المصابين، وضرر أخلاقي لم يُمحَ حتى اليوم.

إنها حرب أُعلنت باسم “الحرية”، لكنها خلّفت فوضى، فساد، وندوبًا لا تلتئم – لا في العراق فقط، بل في قلب الولايات المتحدة نفسها.