لا تزال ملايين الهكتارات في العراق ملوَّثة بالألغام والذخائر غير المنفجرة، وهو ما يشكل حاجزاً يومياً أمام التنمية والسلامة المدنية. وفي ظل هذه التحديات، طالبت وزارة البيئة بتخصيص موازنة خاصة لدائرة شؤون الألغام لضمان استمرار عمليات التطهير وتفعيل الخطة الوطنية الممتدة حتى عام 2028.
أكثر الدول تلوثاً
رئيس المركز الاستراتيجي لحقوق الإنسان، فاضل الغراوي، أكد في تصريح صحفي أن العراق يُعد من أكثر دول العالم تلوثاً بالألغام والمخلفات الحربية نتيجة تراكم الحروب والنزاعات منذ عقود. وأوضح أن هذه المخلفات تمثل تهديداً مباشراً لحياة المدنيين، مبيناً أن أكثر من 6600 كيلومتر مربع من الأراضي العراقية حُددت كمناطق ملوثة منذ عام 2003.
وبحسب الغراوي، جرى تطهير أكثر من 4540 كيلومتراً مربعاً حتى عام 2024، لكن أكثر من 2000 كيلومتر مربع ما تزال بحاجة إلى عمليات إزالة وتطهير. وتتصدر محافظة البصرة قائمة المحافظات المتضررة بمساحة ملوثة تقارب 1200 كيلومتر مربع، تليها محافظتا المثنى وديالى.
ضحايا بعشرات الآلاف
الإحصاءات الرسمية، بحسب الغرواوي، تشير إلى أن عدد ضحايا الألغام والمخلفات الحربية تجاوز 30 ألف شخص منذ عام 2003، بين قتيل وجريح، بينهم نساء وأطفال. وفي عام 2022 وحده سُجل أكثر من 150 ضحية في عموم العراق، فيما بلغ عدد الضحايا في إقليم كوردستان نحو 13,500 شخص.
وخلال عام 2023 شهدت محافظة البصرة مصرع وإصابة 14 شخصاً بانفجارات ألغام أرضية، بينما شكّل حادث مأساوي أخيراً صدمة كبيرة عندما فقد ثلاثة طلاب من مدرسة ابتدائية في ناحية السيبة حياتهم بانفجار لغم أرضي. وقال الغراوي إن الضحايا هم نمر طالب خضير (الصف الثاني)، كاظم رياض مزعل (الصف الثالث)، وجاسم محمد خضير (الصف الرابع).
دعوات للحملة والتعويضات
الغراوي دعا الحكومة العراقية والمؤسسات الدولية إلى إطلاق حملة وطنية شاملة لإزالة الألغام، مؤكداً ضرورة أن يُعلن العراق خالياً من هذه المخلفات بحلول عام 2025. كما شدد على أهمية تركيز الجهود على محافظة البصرة وتعويض ضحايا الألغام، إلى جانب تكثيف حملات التوعية للحد من المخاطر.
خطة وزارة البيئة
وفي وقت سابق، طالبت وزارة البيئة بتخصيص موازنة مستقلة لدائرة شؤون الألغام لتأمين الدعم اللوجستي وضمان استدامة عمليات التطهير. وقالت وكيلة الوزارة ومديرة الدائرة، اكتفاء الحسناوي، إن الوزارة تعمل بالتنسيق مع وزارتي الدفاع والداخلية وهيئة الحشد الشعبي لتطهير الأراضي، مؤكدة أن عملية إطلاق الأراضي للاستخدام الآمن تتم حصراً عبر وزارة البيئة.
وأشارت الحسناوي إلى أن الدائرة مسؤولة عن منح شهادات الاعتماد للشركات والمنظمات العاملة في مجال إزالة الألغام بعد استكمال إجراءات التدقيق الأمني، مؤكدة الحاجة إلى إطار قانوني جديد يوسع صلاحيات الدائرة الفنية والإدارية.
استراتيجية حتى 2028
الخطة الوطنية لوزارة البيئة تركز على أربعة محاور رئيسية: تطهير الأراضي الملوثة. وتعزيز برامج التوعية المجتمعية. وتقديم الدعم للضحايا الذين يتجاوز عددهم 53 ألف شخص. وإدماج البعد التنموي في مشاريع وطنية كبرى مثل “طريق التنمية”، والسكك الحديدية، والمشاريع النفطية والخدمية.
ووفق بيان رسمي، تتضمن الخطة تنفيذ مسوحات تقنية وغير تقنية واستخدام وسائل متطورة لإزالة الألغام، إلى جانب شراكات موسعة مع الجهات الدولية. وقد جرى إقرار هذه الخطة خلال اجتماع اللجنة الوطنية العليا لشؤون الألغام برئاسة وزير البيئة هه لو العسكري، وبمشاركة ممثلين عن وزارات التخطيط والنقل والعمل والشؤون الاجتماعية وجهات أخرى.
ملف مفتوح
وبينما تُبدي الحكومة التزاماً بتسريع عمليات التطهير، يرى مختصون أن تحقيق هدف إعلان العراق خالياً من الألغام خلال العامين المقبلين يتطلب موارد مالية واستراتيجية طويلة الأمد، في وقت تتزايد فيه الحاجة الملحة لحماية المدنيين ودعم التنمية في البلاد.
