في آواخر شهر فبراير من العام 1991م، وقعت أكبر كارثة نفطية عرفتها البشرية، عندما تم تفجير 727 بئرٍ نفطي في أرضي الكويت، مُشعلة بذلك حرائق ضخمة أنتجت سُحباً سوداء كثيفة مُشبّعة بالغازات السامة، غابت معها شمس النهار عن أرض الكويت لفترة زمنية جاوزت الـ 8 أشهر.
ففي أواخر فبراير 1991، حينما أدرك رئيس النظام السابق، صدام حسين، أنه قد مني بالهزيمة وجه قواته قبل انسحابه من الكويت بتدمير ما يقارب 1073 بئرًا نفطيًا، وذلك عن طريق تفجيرها مما أدى إلى احتراق حوالي 737 بئرًا مسببًا غيمة سوداء غطت سماء الكويت والدول المجاورة لها.
تسببت هذه السُحب الدُخانية الكثيفة بحجبها المُتواصل لأشعة الشمس بخفض درجة الحرارة بواقع 4 درجات مئوية، بمُحيطٍ يصل مداه إلى ما يُقارب الـ 1000 كم حول أراضي الكويت، مُسببةً أحولاً جوية شديدة التطرف في منطقتنا العربية والعالم.
وفي حدثٍ نادرٍ لم تعهده دول الخليج، تساقطت للمرة الأولى أمطار سوداء في شتاء العام 1991م، وذلك نتيجة انضمام مئات الأطنان من الجُسيمات الدقيقية المُتصاعدة نتيجة الحرائق إلى نويّات التكاثف في الغلاف الجوي، إضافة إلى تفاعل الغازات السامة مثل “ثاني أكسيد الكربون وثاني أكسيد الكبريت وأكاسيد النيتروجين” مع بُخار الماء، لتُكونَ أمطاراً سوداء اللون عالية الحموضة، شديدة الضرر بالبيئة، عملت بشكلٍ مباشر على تدمير التربة والمحاصيل الزراعية وتلويث مصادر المياه السطحية والجوفية على حد سواء.
وهنا يستذكر خالد القحطاني أحد سُكان العاصمة السعودية، الرياض، تلك الأيام العصيبة قائلاً: كنا في تلك الأيام لا نشتم إلا رئحة الحرائق ولا نرى في الأفق إلا أدخنة كثيفة قادمة من الكويت، أما عن أمطار ذلك العام فلم تكُن بتاتاً كسابق الأعوام، فالسُحب كانت شديدة السواد كليلٍ مُظلم غاب عنه ضوء القمر، أما المطر فكان أشدّ من المُعتاد، يغلُب على لون قطراته السواد، وقد لاحظت ذلك بوضوح على السيارات وطلاء المنازل وحتى على ملابسنا البيضاء.
كانت سُحب الدخان وما نتج عنها من درجات حرارة مُتطرفة؛ سبباً رئيسياً لحُدوث أعاصير وفيضاناتٍ مُدمرة، خلّفت أكثر من 100 ألف قتيل في بنغلاديش وحدها مطلع شهر مايو من العالم 1991م.
كما تساقطت “ثلوج سوداء” مُلوثة على سفوح جبال الهملايا، فيما لم تقتصر “الأمطار السوداء” على دول المنطقة فحسب، فقد رُصدت كذلك في تركيا واليونان سُحب الدخان المرئي الناتج عن الحرائق على بُعد 2000 كم من الكويت، لتصل إلى الهند والصين وبعض مناطق الاتحاد السوفيتي.
ووصف الدكتور عبد الله المسند، الأستاذ المشارك بقسم الجغرافيا بجامعة القصيم، أن ما تعرضت له المنطقة خلال العام 1991م هو أكبر وأوسع تلوث نفطي في البر والبحر والجو عرفته البشرية، مُشيراً إلى أن الحرائق التي اندلعت في الكويت وما نتج عنها من سُحبٍ سوداء جعلت الكويت تعيش أجواء الربيع في فصل الصيف! حيثُ أثبتت الدراسات أن الحرارة قد انخفضت بواقع 4ْ درجاتٍ مئوية في المعدل العام، أما اليومي فهي بالطبع أكثر.
وتسبب التسرب النفطي من الآبار المُدمرة بتكوُن 246 بحيرة نفطية غطت مساحة حوالي 50 كيلومتر مربع بكمية نفط تقدر بحوالي 24 مليون برميل. فشكلت هذه البحيرات حاجزاً بين حبيبات التربة وكائناتها من نباتات وحيوانات وحشرات مما سبب خللاً تاماً في النظام البيئي. فكان للنفط تأثير سُمي مباشر على النباتات والحيوانات كما شكلت البحيرات النفطية عازلاً يمنع التبادل الغازي بين النباتات والهواء الجوي.
