في مشهد متناقض بين التحذير والتطمين، يتصدر الملف الاقتصادي العراقي المشهد العام، وسط مخاوف شعبية متزايدة من تأثيرات أزمة مالية محتملة قد تضرب مفاصل الدولة الأساسية، وفي مقدمتها رواتب الموظفين والمتقاعدين.
انهيار اقتصادي وشيك!
في مشهد استثنائي، خرج الأمين العام لحزب الوطن، يزن مشعان الجبوري، بتحذير علني ومباشر وصف فيه الوضع المالي العراقي بالكارثي، مؤكداً في مقابلة متلفزة مع برنامج “النقطة” الذي يقدّمه الزميل علي وجيه، أن “البلاد مقبلة على انهيار مصرفي شامل خلال أسابيع فقط، وأن رواتب الموظفين والمتقاعدين وحتى شبكة الحماية الاجتماعية في خطر حقيقي”.
وقال الجبوري، إن “القطاع المصرفي على وشك الانهيار، والمصارف الحكومية منهارة فعلياً، باستثناء مصرف TBI، الذي يُعد حالة خاصة ومحصناً بحكم ارتباطاته الخارجية وإدارته الخاصة”.
وأضاف: “الحكومة عاجزة عن إدارة الملف المالي، ولا توجد حلول واضحة، سوى اللجوء إلى تغيير سعر صرف الدينار مقابل الدولار إلى 2750 ديناراً”، مشدداً على أن “هذا الخيار صعب في ظل حكومة تتهيأ للانتخابات، ولا تملك الشجاعة السياسية لتنفيذه”.
وختم الجبوري تحذيراته بالقول: “رواتب الجميع في خطر، وإذا بقي الوضع على ما هو عليه، فإن الانهيار الكامل سيحدث خلال شهر ونصف إلى شهرين كحد أقصى، ولن ينجو سوى مصرف TBI وبعض المصارف الأجنبية مثل البنك الأهلي”.
رد اقتصادي يدعو إلى “الطمأنة”
في المقابل، جاء موقف الخبير الاقتصادي صفوان قصي مغايراً تماماً، إذ حاول تهدئة الشارع العراقي عبر التركيز على الأرقام الرسمية والاحتياطيات المالية التي ما زالت متوفرة لدى الدولة.
وقال قصي، إن “وزارة المالية أكدت أكثر من مرة أنها تستطيع تمويل الرواتب، والعراق ما زال يصدر 3.3 ملايين برميل يومياً، بأسعار لم تنخفض عن السعر المثبت في الموازنة إلا بـ5 دولارات فقط للبرميل الواحد”.
وبيّن أن العجز الإضافي لم يتجاوز 10 مليارات دولار، مضيفاً: “نحتاج إلى طمأنة الناس، لأن الموظفين يشكلون محرك السوق، وإن أي قلق بشأن الرواتب قد يؤدي إلى ارتباك في الإنفاق وإرباك في القطاعات الاقتصادية كلها”.
وأكد قصي أن العراق يمتلك احتياطياً نقدياً تجاوز 100 مليار دولار و163 طناً من الذهب، بالإضافة إلى قدرة على الاقتراض الداخلي إذا دعت الحاجة، إلى جانب خطط إصلاحية تتعلق بالسيطرة على الإيرادات غير النفطية.
النواب ينقسمون بين طرفين
في البرلمان، تتباين الأصوات بشكل لافت. فبينما حذّر النائب رائد المالكي من “تستر حكومي على حجم العجز الحقيقي”، مشيراً إلى أن الديون العراقية تجاوزت 130 مليار دولار، شدد على أن “الوضع أخطر مما يُعلَن عنه”، خاصة مع توقف إقرار بعض بنود الموازنة.
في المقابل، خرج النائب حسين مؤنس، وهو من لجنة المالية النيابية، بتصريح أكثر تفاؤلاً، قائلاً: “الحكومة تمتلك عدة بدائل وقادرة على تجاوز الأزمة”.
الصرامة بوجه كردستان
وفي تطور مثير، أوقفت وزارة المالية الاتحادية تمويل رواتب إقليم كردستان، لأنه لم يعطِ الإيرادات التي يستحصلها إلى بغداد، ليأتي رد حكومة الإقليم ببيان ناري وصفت فيه القرار بـ”الانتقامي”، محذرة من أن الشعب الكردي يواجه “سياسات تجويع وإبادة مالية”، على حد وصفها.
مسعود بارزاني، زعيم الحزب الديمقراطي الكردستاني، قال أيضاً، إن “قطع الرواتب لا يقل فداحة عن جريمة الأنفال والقصف الكيمياوي”.
النائبة عالية نصيف قالت أيضاً، إن “الحكومة الاتحادية لاتعاقب الشعب في الإقليم، لأن الشعب أصلاً مُعاقب مِن حكومة الإقليم التي لم تلتزم بتسديد التزاماتها لبغداد نهائياً وأحرجت الحكومة الاتحادية وجعلتها تقترض من الأمانات الضريبية”.
تغريدة نصيف، تشير إلى أن الأزمة المالية بدأت تشتد، خاصة وأن الإقليم لم يسلم بغداد، عوائد ما يستخرجه من النفط.. إلا أن أربيل ما زالت تطالب بإطلاق التمويل لرواتب الموظفين، ما ينذر باشتعال أزمة اقتصادية.