في الأزمنة الغابرة، كان المقرّبون من الحكومات، إذا ما غادروا مناصبهم، ينكفئون إلى منازلهم، يكتبون مذكّراتهم في محاولة لمصالحة ضمائرهم، مقنعين أنفسهم بأنهم لم يكونوا عونًا للظلمة، ولم يسهموا في سدّ طريق الناس نحو حياة كريمة ومحترمة.
أما في زمن “فيسبوك السياسي”، فلم يعد الأمر كذلك.. ما إن يُترك الكرسي وتُفقد المغانم، حتى يتدافع هؤلاء نحو مواقع التواصل، يفيضون بالكلام، لا من باب التحليل ولا النقد البنّاء، بل لمجرّد الحضور والصخب.
وفيما يتعلق بأزمة خور عبد الله، والصراع العراقي الكويتي عليه، فقد تحول الأمر من التجاذب السياسي بين العراق والكويت، إلى مصدر للصراع الداخلي، وهو ما “قفز” إليه المستشار السابق لحكومتي عادل عبد المهدي ومصطفى الكاظمي عبد الحسين هنين.
سياسيو ومستشارو هذا العصر، حين يجلسون في بيوتهم، يكونون أعجز من أن يكتبوا مقالًا سياسيًا رصينًا أو يقدموا رأيًا ذا قيمة.
لذا، لا يملكون سوى خيارٍ واحد: أن يكتبوا “أي كلام”، لا طائل منه، سوى التذكير بأنهم ما زالوا هنا.. يتنفسون هواء الفشل، ويكتبون بلا أثر
وفي مشهد سياسي يضج بالفوضى وتضارب المصالح، لم يكن عبد الحسين هنين سوى امتدادٍ ناعم للشللية السياسية التي أتقنت فن الصمت عند الحاجة، والتبرير عند الفشل. فقد شغل هنين موقع “مستشار رئيس الوزراء لشؤون الطاقة” في حكومتي عادل عبد المهدي ومصطفى الكاظمي، ومع ذلك، لم نرَ له بصمة واضحة، ولا موقفاً شجاعاً، ولا حتى رأياً اقتصادياً يُحتَرم، رغم تعاقب الأزمات وكوارث الهدر والانهيار المؤسسي في قطاع الطاقة تحديداً.
حين كان عبد الحسين هنين مستشاراً لعبد المهدي، كانت البلاد تغلي من الجنوب إلى الوسط، منظومة الكهرباء تتهاوى، عقود التراخيص تُنهب، وصوت الشارع كان أعلى من صوت أي مسؤول.
أين كان هنين؟ كان حيث يختبئ المستشارون في العادة: خلف الجُمل الباردة، والاجتماعات الصورية، والتقارير التي لا تُقرأ. لم يُسجَّل له اعتراضٌ واحد على نهج الإغراق في الصفقات النفطية الغامضة، ولم ينبس ببنت شفة تجاه فضيحة شركة سيمنز التي أُقبرت لصالح صفقات أمريكية مشبوهة.
سنتان في حضن الكاظمي.. دور المُجمِّل لا المُصلِح
انتقل هنين إلى حكومة مصطفى الكاظمي، حيث وُضع في ذات الموقع كمستشار لشؤون الطاقة. سنتان من الخطابات البراقة، لكن واقع الطاقة ازداد انحدارًا. لم يستطع هنين تقديم أي خطة حقيقية لإنقاذ الكهرباء، ولا معالجة هيكل الفساد في وزارة النفط، بل اكتفى بلعب دور “الخبير التلفزيوني” الذي يُطِلّ ليُفسّر، لا ليُغيّر.
لم يقف في وجه صفقات الغاز الإيراني المثقلة بالديون، ولا فتح ملف الغاز المصاحب المهدور، ولا حتى الحديث عن الأسباب الحقيقية لعجز العراق عن إنتاج طاقته الكهربائية رغم موازنات انفجارية. لقد كان وجوده تكرارًا صامتًا لعجز الدولة، أكثر منه أداة إصلاح.
أزمة مستشار.. أم أزمة ضمير؟
المشكلة في عبد الحسين هنين لا تكمن في موقعه فقط، بل في نهجه. فهو لا يمثل “المستشار التقني” الذي يُعتمد عليه في رسم سياسات كبرى، بل يعكس نموذج “الموظف السياسي” الذي يجيد تزيين الفشل، ويهرب من اتخاذ المواقف حينما تستدعي المرحلة رجالاً لا شهود زور.
لقد مرّ العراق بواحدة من أسوأ مراحله في ملف الطاقة، بينما كان عبد الحسين هنين في قلب الحدث… لكنه اختار الصمت. لم تكن استقالة، لم تكن مواجهة، بل كان حضوره محض ديكور إداري يمنح شرعية لوهم الإصلاح.
إن بقاء شخصيات من طراز عبد الحسين هنين في مفاصل حساسة، يفسر لماذا تفشل الحكومات المتعاقبة رغم اختلاف شعاراتها. لأن المشكلة ليست في القادة وحدهم، بل في أولئك الذين يقفون خلفهم… يوقّعون، ويبررون، ثم يختفون حين يسقط كل شيء