يشتكي مواطنون عراقيون، أجبرتهم وظائفهم مع جهات خارجية، كوكالات دولية وبعثات دبلوماسية ومنظمات مجتمع مدني، على أن يستلموا رواتبهم على شكل حوالات خارجية بالدولار، إلا أن تضارب السعر في سوق العملة بين السعر المفروض من قبل البنك المركزي، والسعر المتداول في السوق، أضر بتلك الرواتب، وصاروا يستلمون نصف رواتبهم أحياناً بسبب فرق العملة مع الديينار العراقي.
وتقول ساكار مصطفى، وهي صحفية عراقية تعمل بشكل مستقل مع مؤسسات دولية، بحسب تقرير نشره موقع “أرفع صوتك”، وتابعته منصة “إيشان”: “أنتظر منذ نحو أربعة أشهر استلام راتبي من البنك بشكل كامل، لكن في كل مرة أتلقى نصفه واضطر للانتظار أسبوعين أو ثلاثة حتى استلم دفعة أخرى”.
وتوضح لـ”ارفع صوتك”، أن “راتبها يتراوح ما بين 1500 – 2000 دولار أميركي، بحسب العمل الذي تنجزه، لكن ما يصرفه البنك لها لا يتجاوز الـ 1000 دولار، وهو مبلغ قليل جداً لا يكفي لجميع مصاريفها الشهرية، المتمثلة بإيجار البيت وأقساط المدارس والفواتير والمواصلات”.
وتضيف مصطفى: “تحدثتُ إلى البنك، فأبلغوني أنهم تلقوا التعليمات بصرف الرواتب بحسب إمكانياتِهم، وحالياً لا يمتلكون السيولة الكاملة لصرفه كاملاً بعملة الدولار”.
وتؤكد أن “راتبها إما يصل غير كامل، أو يُحول للدينار العراقي على السعر الرسمي الذي حددته الحكومة (1320 دينار لكل دولار)، في وقت يبلغ سعر الصرف في السوق الموازي 1520 دينار لكل دولار”.
في 31 ديسمبر المنصرم، أعلن البنك المركزي العراقي عن تحديد الفئات التي تستلم حوالاتها بالدولار الأميركي، وهي: البعثات الدبلوماسية والمنظمات والوكالات الدولية كافة العاملة في العراق، ومنظمات المجتمع المدني غير الحكومية المسجلة في الأمانة العامة لمجلس الوزراء، في حال اشترطت الجهة الأجنبية المانحة دفع مبالغ الحوالات الخارجية الواردة بعملة الدولار داخل العراق.
بالإضافة إلى العقود الحكومية النافذة بعملة الدولار الأمريكي، والعقود المستمرة على المنح والقروض والاتفاقيات الخارجية، ونسبة % 40 من الحوالات الواردة للمصدرين العراقيين الناتجة عن صادراتهم إلى الخارج.
ويشهد العراق منذ نهاية عام 2022 أزمة في أسعار الصرف، تتمثل في تذبذب أسعار الدينار أمام الدولار والعملات الأجنبية الأخرى، وتضخم في أسعار السلع والخدمات في الأسواق المحلية.
وتعمقت الأزمة في عام 2023، مع الانخفاض الكبير في سعر الدينار أمام الدولار في السوق الموازي.
من الحلول التي وضعتها الحكومة، إجبار التجار على التعامل بالدينار العراقي في تعاملاتهم المحلية، بحيث اعتمد البنك المركزي العراقي المنصة الإلكترونية في مزاد بيع العملة للحدّ من تهريب الدولار من البلاد وتمكين قيمة الدينار.
وفعّل المركزي المرحلة الثانية من اعتماد المنصة، بهدف إخضاع الحوالات المالية للأفراد والبطاقات الائتمانية، وتفعيل الدفع الإلكتروني وتقليل الاعتماد على النقد، والسماح للمصارف العراقية باستيراد كافة العملات ومنها الدولار لتلبية حاجة زبائنها.
لكنّ هذه الحلول لم تنه أزمة رواتب الموظفين العراقيين العاملين مع مؤسسات أجنبية.
منذ مطلع ديسمبر الماضي حتى الـ20 منه، استوردت المصارف العراقية، حكومية وأهلية، 255 مليون دولار أميركي، لتلبية احتياجات زبائنها، بحسب آخر إحصائية للبنك المركزي، نشرتها وكالة الأنباء الرسمية.
يقول الخبير الاقتصادي، همام الشماع لـ”ارفع صوتك”، إن “خفض سعر الصرف في السوق الموازي إلى سعر الصرف الرسمي، لن يتحقق في المدى القصير وحتى البعيد. هناك الكثير من العوائق التي تحول دون ذلك”.
ويتسائل: “هل يمتلك العراق الكفاية من العملات الأجنبية والدولار إذا ما انخفضت أسعار النفط؟ وهل يستطيع أن يضخ إلى الأسواق كمية من الدولارات بحيث تؤدي إلى التساوي أو التطابق بين السعرين الرسمي والموازي؟”.
“الإجابات متروكة للمستقبل”، يضيف الشماع، الذي اعتبر “إصرار البنك المركزي على التعامل مع رواتب الموظفين المدفوعة بالدولار على أساس سعر الصرف الرسمي، إجراءً تعسفياً وظلماً للموظفين الذين يقبضون بالعملة الأميركية. هذا الاجراء لن يكون له تأثيراً كبيراً على الأسواق، إذ سيحدث تراجع في الحوالات، ولجوء إلى مكاتب الصيرفة أو الحوالات السوداء”.
يشير الخبير الاقتصادي نبيل جبار التميمي، إلى “وجود خلل في تعامل البنك المركزي مع الحوالات الخارجية الواردة من النفط الخاصة بالشركات والمؤسسات النفطية، والمؤسسات الإعلامية والهيئات الدبلوماسية والشركات النفطية، وكذلك المستفيدين الآخرين من الموظفين، الذين يتقاضون رواتبهم بالدولار، ويشتكون من الفارق الكبير بين سعر الصرف الرسمي والموازي إذا ما حولت رواتبهم إلى الدينار”.
يقول لـ”ارفع صوتك”: “الحالات التي ذكرتها استثنائية، وليست مبرراً لإيقاف حملة إنهاء الدولرة المتمثلة بالاستخدام المفرط للدولار في السوق المحلي، ومصير سعر صرف الدولار في الأخير هو الاستقرار على السعر الرسمي أو ما يقاربه خلال أشهر”.
في الوقت نفسه، يرى التميمي أن “المصلحة العامة تتطلب القبول بقرارات الدولة، على الرغم من إشكالياتها”.