كانت سوريا تحلم بواقعٍ جديدٍ مختلف بعد أن تخلصت من حكم بشار الأسد، ولكن السوريين، كان لديهم تخوف من تكرار تجربة العراق عندهم، خاصة السيئة منها، التي أعقبت سنة ٢٠٠٣، وبعدها دخل العراقيون بمرحلة حرب أهلية، لم يسلم منها أحد، وكادت أن تفكك العراق.. لكن الواقع في سوريا اليوم مختلف، فالصراع الإقليمي تحول واقعياً إلى أرض الشام.
بعد خلاص السوريين من الأسد، وصل أحمد الشرع “الجولاني” إلى سدة الحكم، ومن هنا، أشعل الأزمة مجدداً، فـ “أبو محمد” كان منخرطاً ضمن صفوف التنظيمات الإرهابية، ولم يتعود فكره على الحكم، وإن ارتدى ربطة عنق رسمية وخلع العمامة، وفقاً لما تظهره الأحداث.
طوال الثلاثة أشهر الماضية، منذ سقوط الأسد، وإلى اليومين الماضيين، واجه العلويون داخل سوريا، انتهاكات وتعديات متواصلة، ومداهمات لمنازلهم، واعتقالات لأبنائهم، حتى انفجرت الأوضاع في الساحل السوري، وارتفع صوت الرصاص.
الاشتباكات مسلحة، مع جيش الجولاني، لم تكن الأنباء بشأن طرفيها مؤكدة، فبعض وسائل الإعلام أشارت إلى دخول “العلويين” في المعترك، وأخرى تابعة لنظام الجولاني، تقول، إنهم “فلول النظام السابق”.
ولكن، لم تتوقف الأمور عند هذا الحد، فسارع جيش الجولاني إلى إرسال آلياته وأرتاله العسكرية المسلحة إلى الساحل السوري، لمواجهة الاشتباكات هناك، دون أن يرى جيش الاحتلال الإسرائيلي، الذي سيطر على مناطق واسعة من الجنوب السوري، واقترب من بلدة جرمانا.
استعرض جيش الجولاني “عضلاته” على العلويين، ونفذ حملات إبادة بحق المدنيين الذين لم يحملوا سلاحاً، وفقاً لما تظهره المقاطع المصورة، التي وردت من سوريا.. ثم شنَّ قصفاً بالطائرات والمدافع على مواقعهم.
مشاهدة أرتال جيش الجولاني المتوجهة صوب العلويين، دفع الجميع إلى التساؤل: “لماذا لا تتوجه صوب الجيش الإسرائيلي الذي احتل مناطق واسعة هناك؟.. هل يخافون من نتنياهو؟”.
التوترات تصاعدت في المناطق ذات الأغلبية العلوية في الساحل السوري، خاصة في محافظتي اللاذقية وطرطوس. في 6 فبراير 2025، أُعلن عن تشكيل “لواء درع الساحل” بقيادة مقداد فتيحة، وهو مجموعة مسلحة موالية للنظام السابق تهدف إلى مقاومة سلطة هيئة تحرير الشام.
بعد ذلك، اندلعت اشتباكات عنيفة في مدينة اللاذقية أسفرت عن مقتل 35 عنصرًا من جيش الجولاني، و32 من الموالين للأسد، بالإضافة إلى 4 مدنيين، وفقاً لوسائل إعلام سورية، التي أشارت إلى أن “هذه الاشتباكات تعتبر الأكثر عنفًا منذ سقوط نظام الأسد.
ومع استمرار الاشتباكات والتوترات الطائفية، يواجه مستقبل سوريا تحديات كبيرة. فهناك مخاوف من انزلاق البلاد نحو اقتتال أهلي جديد إذا لم تُتخذ خطوات جدية نحو المصالحة الوطنية وإشراك جميع مكونات المجتمع في العملية السياسية.
ومن المقرر أن تنعقد مؤتمر الحوار الوطني في 25 فبراير 2025، بهدف وضع دستور جديد ومناقشة الإصلاحات الاقتصادية والمؤسسية. نجاح هذا المؤتمر قد يكون حاسمًا في تحديد مسار سوريا المستقبلي وتجنب المزيد من الصراعات.
فيما تواجه الحكومة الانتقالية تحديات كبيرة في بسط سيطرتها على كامل الأراضي السورية وضمان الأمن والاستقرار.
الأوضاع في الساحل السوري تعكس التحديات التي تواجهها سوريا في مرحلة ما بعد الأسد. فالاشتباكات المستمرة والتوترات الطائفية تهدد باندلاع اقتتال أهلي جديد إذا لم تُتخذ خطوات جادة نحو المصالحة الوطنية وإشراك جميع الأطراف في العملية السياسية.