كلما قلت وطأة وجود كثيرين من أعضاء النظام السياسي في عراق ما بعد 2003، وبهت وجودهم في عناوين في الوكالات الإخبارية، وتضائلت صورهم على مواقع التواصل الاجتماعي، استخدموا أقصر الطرق “طشة” وأكثر “ترنداً وجدلا”، ألا وهو استحضار الصراعات الطائفية وإعادة تدويرها.
وكلما كان السياسي العراق فاشلاً في تحقيق وجوده، زاد من حدة نيله من الرموز الإسلامية للأطراف الأخرى، فالشيعي منهم لا يعرف سوى الخلافة وأبو جعفر المنصور، والسني منهم لا يعي غير المتاجرة بأبي حنيفة والتهميش وعُقد الماضي السحيق.
الترند الطائفي
يمضي النائب علي الجمالي، وهو من قضاء القاسم في محافظة بابل و الفائز بعضوية مجلس النواب عن كتلة الصادقون التابعة لعصائب أهل الحق، بحديث وجده سياسيون يعملون ضمن المكون السني السياسي، بأنه يمس عقيدتهم فقد قال في لقاء متلفز: “اللهم العن الاول والثاني والثالث والرابع، اللهم العن يزيد خامساً، في حين سأله المذيع من هو الرابع قال بأنه “معاوية بن أبي سفيان”، ومن خلال هذه المشهد انبرى عدد من السياسيين السنة للرد على الجمالي، مؤكدين أنه يقصد الخلفاء الراشدين الثلاثة.
وعلى هذا الوقع “السياسي الطائفي”، تصاعدت حدة الأزمة بين النائب الجمالي، والآخرون ممن يتنهزون “الفرصة الطائفية” للعودة إلى الترند، من خلال السجال مع شخصيات سياسية من خلال خلق العداوات التي تؤسس بالطائفية وتنتهي بتقاسم الكراسي والسلطة، كما يرى متابعون للشأن السياسي العراقي، من الذين علقوا على معركة الجمالي وحيدر الملا بأنها “محاولة للعودة إلى الأضواء من خلال استحضار صراعات تاريخية ودينية”.
وعلى وقع “لعنات الجمالي”، أعلن النائب السابق حيدر الملا، رفع دعوى قضائية ضد نائب من كتلة الصادقون التابعة لحركة عصائب أهل الحق، بتهمة الإساءة إلى أربعة من أوائل خلفاء المسلمين “أبو بكر الصديق، وعمر بن الخطاب، وعثمان بن عفان، ومعاوية بن أبي سفيان”.
وعلى منصاته على مواقع التواصل الاجتماعي، يطبل الملا بإيقاعات طائفية مختلفة، دفاعاً وهجوماً على زملاء الكراسي وأعداء السياسية، فهو يواصل الرد على النائب الجمالي، وصل الأمر حد “التشكيك بعقله”.
ولم يكتفِ علي الجمالي بما تحدث به عبر “قناة العهد”، بل عاد وظهر على قناة “I news”، وجدد تعهده بأن “يلعن كل من ظلم آل البيت”.
ويصف متابعون للشأن السياسي أن “الجمالي تفوق على نفسه بكونه أحد أكثر السياسيين استغلالاً للمنابر الإعلامية في إثارة الخصومة من أجل البقاء في صدارة الطائفيين ممن يقتاتون على إعادة تدوير الصراعات الدينية من أجل إثبات نفسه لدى شريحة من السياسيين لا يريدون التهدئة أبداً”.
ويرى متابعون أن “كل مواقف الجمالي الدينية التي أدلى فيها في وسائل الإعلام هي محاولة لشراء الترند على وسائل التواصل الاجتماعي بعد أن بهت لونه، وفشل في تحقيق أي قانون أو مشروع يهم شرائح الشيعة وما يعانيه أهالي القاسم في بابل من سوء خدمات وتهالك في البنى التحتية وهي المنطقة التي صعد بأصوات أهلها إلى قبة البرلمان”.
وقرر ديوان الوقف السني، رفع دعوى قضائية ضد الجمالي بتهمة “التطاول على رموز الأمة”.
وجاء في الشكوى التي قدمها الوقف إلى محكمة تحقيق الكرخ، أن “النائب علي تركي الجمالي وخلال لقاء إعلامي له على قناة العهد الفضائية تلفظ بعبارات مسيئة ومهينة وبذيئة لرموز الامة الاسلامية من الخلفاء الراشدين الاربعة (رضي الله عنهم حيث قال مانصه اللهم العن الاول والثاني والثالث والرابع، اللهم العن يزيد خامساً) وبعد تدخل المذيع من هو الرابع استدرك الموما اليه قائلاً ما نصه ( أن الرابع هو معاوية وهذا ما نؤمن به) ولما كان فعل الموما اليه يشكل جريمة يعاقب عليها قانون العقوبات العراقي رقم 111 لسنة 1269 ضمن المادة 5/372 كون الخلفاء الراشدين هم رموز الامة الاسلامية جميعاً وليس لطائفة او مذهب معين فأن الديوان يطلب الشكوى ضد كل من علي تركي الجمالي النائب في مجلس النواب عن كتلة صادقون وقناة العهد الفضائية”.
وبعد تصاعد الردود ضد الجمالي، نشر الأخيرة تغريدة “استفزازية جديدة”، قال فيها “سطران من زيارة معتبرة جيشت جيوش ومنصات شبعية بمنصات الفتنة”.
وأضاف “حقيقة لو جيشت عام 2014، لاستطاعت أن تحمي الأرض والعرض ولما وصلنا إلى ما يقارب 10 آلاف طفل مجهول النسب حسب تقارير واعتراف وزارة الخارجية، أغلبهم بمواصفات شيشانية”.
ومنذ أن استجاب مجلس النواب، لدعوة زعيم التيار الشيعي الوطني (التيار الصدري سابقاً)، مقتدى الصدر، للمضي بتحويل يوم غدير خم إلى عطلة رسمية، انبرى سياسيون سنة إلى انتقاد هذا التوجه وربطه بالصراعات الطائفية والسياسية الحاصلة في عراق ما بعد 2003، وبينما دعوا إلى أن تكون “عطل الشيعة داخل مدنهم فقط، وليس شاملة لكل المحافظات”، طالبوا مجلس النواب “بعدم إقرار قانون عيد الغدير كعطلة رسمية محذرين من تبعاته الطائفية والسياسية داخل العراق”.
وفي حوار متلفز، رأى القيادي في تحالف العزم حيدر الملا، أن مقتدى الصدر، كان قد “أثار الطائفية بتحويل تسمية التيار الصدري إلى التيار الوطني الشيعي”.
وأضاف أن “الصدر أشعل الطائفية في العراق بمطالبته بتحويل عيد الغدير لعطلة رسمية”.
وبين أن “الرفض الذي واجه قانون عيد الغدير انتقل من الرفض السياسي السني الى الرفض المجتمعي السني”، لافتا الى ان “هناك الكثير من الاوقاف الدينية اصدرت كتب استنكار وانزعاج من اصدار هذا القانون وفرضه على طائفة اخرى”.
وأضاف ان “الطائفة الشيعية تمثل 10% من الامة الاسلامية كافة، والتي تتمثل بـ 90% هم من الطائفة السنية، فكيف للشيعة ذات الاقلية ان يفرضوا عيد الغدير على الامة الاسلامية كافة، مؤكدا ان هذه المواضيع يجب ان تقاس بالامة الاسلامية اجمع وليس داخل العراق فقط”.
وما بين الملا والجمالي، حكايات مطولة عن السياسية الطائفية “العلنية” في العراق، بدأت بعد سقوط الصنم بدقائق، ولم تنته حتى اليوم، أسماء كثيرة أشعلت النيران في جسد الشعب العراقي، وزعامات اعتاشت على صب الزيت على النار، وآخرون فضلوا أن يبقوا مهمشين طلباً للربح، لكنها دماء العراقيين تسيل وشلالات الدماء ضجت بها السموات والأرض، فهل من متعض؟