اخر الاخبار

وزير العمل: بعض المتجاوزين على الرعاية الاجتماعية يمتلكون سيارات فاخرة

كشف وزير العمل، أحمد الأسدي، عن وجود حالات تجاوز...

اتفاق جديد.. العراق يمنح غازه لإيران ثم يستورده باعتباره “صالحاً” لتوليد الكهرباء

كشف الخبير الاقتصادي، نبيل المرسومي، عن اتفاق بين العراق...

استعدوا لعشرة أيام جديدة.. موجة حر ورطوبة ودرجات حرارة خمسينية تضرب الوسط والجنوب

توقعت هيئة الأنواء الجوية والرصد الزلزالي، أن يشهد الجنوب،...

الأمن النيابية تعلن إكمال إعداد قانون الحشد وتتحدث عن “فرصة” لإقراره مستقبلاً

أعلنت لجنة الأمن والدفاع النيابية، اليوم الثلاثاء، الانتهاء من...

ذات صلة

من إذاعة قصر الزهور إلى دبابات الحرس الجمهوري: ستة عقود صنعت غزو الكويت

شارك على مواقع التواصل

على مدى ما يقرب من ستة عقود، تحوّل ملف الكويت من مطلب سياسي في خطاب ملك شاب إلى غزو عسكري غيّر ملامح المنطقة. بدأت القصة في ثلاثينيات القرن العشرين مع الملك غازي، مرورًا بمحاولة عبد الكريم قاسم ضم الكويت عام 1961، وصولًا إلى الموقف المثير للجدل لجمال عبد الناصر، وانزعاج الشاب المنفي آنذاك صدام حسين، وانتهت بمغامرة الغزو في 1990.

البداية من غازي 

عام 1933، تولّى الملك غازي بن فيصل الأول حكم العراق وهو في أوائل العشرينيات من عمره، بعد وفاة والده فيصل الأول. كان غازي متحمسًا للقومية العربية ومعاديًا للنفوذ البريطاني الذي ظل مهيمنًا على شؤون العراق رغم استقلاله الشكلي.

في منتصف الثلاثينيات، أسّس الملك محطة إذاعية في قصره عُرفت باسم “راديو قصر الزهور”. عبر هذه الإذاعة، وجّه خطابًا أثار جدلًا واسعًا حين دعا علنًا إلى عودة الكويت إلى الوطن الأم العراق، معتبرًا إياها جزءًا من ولاية البصرة التاريخية. لم تكن الدعوة مجرد رأي شخصي؛ بل كانت إعلانًا سياسيًا غير مسبوق من رأس الدولة.

أثار ذلك الخطاب حفيظة بريطانيا التي كانت تحتفظ بعلاقة حماية مع الكويت منذ عام 1899، ورأت فيه تهديدًا مباشرًا للاستقرار في الخليج. ورغم أن الملك لم يتخذ خطوات عملية، فإن هذا الموقف أسّس لسابقة سياسية ستُستدعى مرارًا في العقود التالية.

1961: المحاولة الأولى 

بعد ثورة 14 تموز 1958 التي أطاحت بالنظام الملكي، صعد عبد الكريم قاسم إلى الحكم. كان قاسم يرفع شعار السيادة الوطنية، ورغم خلافه مع التيار القومي الوحدوي بزعامة جمال عبد الناصر، فإنه تبنى الموقف التاريخي القائل إن الكويت جزء لا يتجزأ من العراق.

في 19 حزيران 1961، أعلنت بريطانيا إنهاء معاهدتها مع الكويت، لتعلن الأخيرة استقلالها رسميًا. بعد أيام، في 25 حزيران، ألقى قاسم خطابًا وصف فيه الاستقلال بأنه “مسرحية بريطانية”، وأعلن أن الكويت محافظة عراقية.

بدأ قاسم بحشد قوات عسكرية جنوب العراق تمهيدًا للتحرك نحو الكويت. هذا التطور رفع منسوب التوتر في الخليج، ودفع بريطانيا إلى الرد سريعًا عبر عملية “فيان” (Operation Vantage)، حيث أرسلت قوات بحرية وبرية وجوية إلى الكويت لحمايتها.

خشيت جامعة الدول العربية من انزلاق الموقف إلى مواجهة مسلحة بين العراق وبريطانيا، وما قد يتبعه من تداعيات عربية. وجرى الاتفاق على إرسال قوة عربية مشتركة لتحل محل القوات البريطانية، شاركت فيها السعودية والأردن ومصر.

في هذه الأثناء، اتخذ جمال عبد الناصر قرارًا مثيرًا للجدل حين سمح للبوارج البريطانية بعبور قناة السويس متجهة إلى الخليج لدعم الكويت. المبرر المعلن كان منع حرب عربية–عربية، إضافة إلى توتر علاقته مع عبد الكريم قاسم الذي كان قد خرج على مشروع الوحدة العربية.

صدام في القاهرة

في تلك الفترة، كان صدام حسين شابًا في بدايات العشرينيات، يعيش في القاهرة بعد فراره من العراق إثر فشل محاولة اغتيال عبد الكريم قاسم في تشرين الأول 1959. كان يقيم بين أوساط الطلبة العراقيين القوميين والبعثيين، ويحظى بدعم ضمني من أجهزة الأمن المصرية.

حين علم صدام بقرار عبد الناصر السماح للبريطانيين بالعبور إلى الخليج، شعر بالاستياء، رغم عدائه الشديد لقاسم. بالنسبة له ولرفاقه، كان هذا الموقف بمثابة انحياز ضد العراق، حتى وإن كان النظام الحاكم هناك خصمًا سياسيًا. رأى صدام في القرار دلالة على أن عبد الناصر قد يقدّم حساباته الإقليمية على أي التزام مطلق بفكرة التضامن القومي العربي.

بضغط من بريطانيا والقوات العربية، تراجع عبد الكريم قاسم عن التحرك العسكري. لكنه لم يتخل عن الموقف السياسي، وظل يعتبر الكويت محافظة عراقية حتى أطيح به في انقلاب شباط 1963.

خلال الستينيات والسبعينيات، بقيت المطالبة بالكويت حاضرة في الخطاب الرسمي العراقي، لكنها لم تُترجم إلى خطوات عملية. في تلك السنوات، كانت العلاقات بين بغداد والكويت تشهد فترات مد وجزر، تراوحت بين التعاون الاقتصادي والخصومة السياسية.

1990: صدام ينفذ

بعد عقود من تصاعد النزاعات الحدودية وتوتر العلاقات، جاءت لحظة الانفجار في صيف 1990. في 2 آب، أمر صدام حسين قواته بدخول الكويت واحتلالها بالكامل، مبررًا ذلك بأسباب اقتصادية وسياسية، وبالعودة إلى السردية التاريخية التي تعود جذورها إلى الملك غازي، مرورًا بمحاولة قاسم، وموقف عبد الناصر الذي شهد عليه شاب عراقي منفي آنذاك.

الغزو فتح الباب أمام أزمة إقليمية ودولية غير مسبوقة، انتهت بتدخل عسكري واسع بقيادة الولايات المتحدة لتحرير الكويت في شباط 1991، وفرض عزلة خانقة على العراق استمرت حتى سقوط النظام عام 2003.

آثار الغزو 

أحدث غزو العراق للكويت في الثاني من آب/أغسطس 1990 صدمة جيوسياسية كبرى في الشرق الأوسط والعالم، وأطلق سلسلة من التداعيات السياسية والاقتصادية والعسكرية التي امتدت آثارها لعقود لاحقة، وغيرت مسار العراق والمنطقة برمتها.

إقليميًا، شكّل الغزو سابقة في العلاقات العربية–العربية الحديثة، إذ كانت المرة الأولى التي تقوم فيها دولة عربية باحتلال دولة عربية أخرى عضو في الأمم المتحدة. هذا الفعل قوض مبدأ التضامن العربي، وأحدث انقسامات حادة داخل جامعة الدول العربية. بعض الدول، مثل الأردن ومنظمة التحرير الفلسطينية، حاولت تبني موقف وسط أو مؤيد للعراق، بينما أيدت دول الخليج ومعظم الدول العربية الأخرى الكويت، ما أدى إلى شروخ سياسية ما زال أثرها قائمًا حتى اليوم.

كما منح الغزو الولايات المتحدة وحلفاءها ذريعة مباشرة لتعزيز وجودهم العسكري في الخليج. فخلال أشهر قليلة، تحولت السعودية إلى قاعدة لعمليات “عاصفة الصحراء”، أكبر حملة عسكرية متعددة الجنسيات منذ الحرب العالمية الثانية، شاركت فيها أكثر من 30 دولة. وأظهر الحدث قدرة واشنطن على تشكيل تحالف عالمي تحت مظلة الأمم المتحدة، ما رسخ دورها كقوة مهيمنة في النظام الدولي ما بعد الحرب الباردة.

وتكبد العراق خسائر اقتصادية فادحة. فبعد فشل الغزو وتحرير الكويت في شباط/فبراير 1991، فُرضت على بغداد عقوبات اقتصادية قاسية بموجب قرارات مجلس الأمن، شملت حظر تصدير النفط إلا ضمن برنامج “النفط مقابل الغذاء” لاحقًا. انهارت البنية التحتية الاقتصادية، وتراجعت العملة العراقية، وارتفعت معدلات الفقر والبطالة بشكل غير مسبوق. كما تسببت العقوبات في تدهور الخدمات الأساسية، بما في ذلك الصحة والتعليم والمياه.

سياسيًا وأمنيًا، أدى الفشل العسكري وخسائر الحرب إلى اهتزاز مكانة النظام داخليًا. شهد العراق انتفاضتين شعبيتين في الجنوب ذي الغالبية الشيعية والشمال الكردي في ربيع 1991، قمعتا بعنف. وأسفرت الأحداث عن فرض مناطق حظر طيران شمال العراق وجنوبه لحماية الأكراد والشيعة، ما قلص فعليًا سيادة بغداد على أجزاء واسعة من أراضيها.

استراتيجيًا، تسبب الغزو في عزلة عراقية خانقة استمرت 13 عامًا. لم تنته هذه العزلة إلا مع الغزو الأمريكي للعراق عام 2003، الذي أطاح نظام صدام حسين، وفتح فصلًا جديدًا من عدم الاستقرار السياسي والأمني في البلاد.

على مستوى الكويت، خلف الاحتلال دمارًا اقتصاديًا واسعًا، إذ نهبت البنية التحتية وأحرقت القوات العراقية مئات آبار النفط عند انسحابها، ما أدى إلى كارثة بيئية كبرى. كما تركت تجربة الاحتلال جرحًا نفسيًا عميقًا في الذاكرة الكويتية، ورسخت سياسات أمنية واقتصادية تهدف إلى منع تكرار مثل هذا التهديد.