اخر الاخبار

دراسة: تناول الطعام وحيداً يضر بالصحة العقلية والجسدية

حذرت دراسة حديثة، من أن تناول الطعام وحيدا يمكن...

كل استحقاق لمكونه.. مسرور بارزاني: منصب رئيس الجمهورية للكرد لكنه لم يُحسم بعد

أكد رئيس حكومة إقليم كردستان، مسرور بارزاني، اليوم الأربعاء،...

حتى الأحد المقبل.. الصحة تعلن إيقاف الحجز الإلكتروني للجان الطبية لفحص السياقة

أعلنت وزارة الصحة، اليوم الأربعاء، إيقاف الحجز الإلكتروني لخدمة...

ردت 36 منها.. المفوضية تنجز إجابات 528 طعناً انتخابياً من أصل 872

أعلنت مفوضية الانتخابات، اليوم الأربعاء، إن الهيئة القضائية المختصة...

تحرك بعد بلاغ.. النزاهة تضبط 9 متهمين بسرقة مواد من مقالع غير مجازة في المثنى

أفادت هيئة النزاهة الاتحاديَّة، اليوم الأربعاء، بتمكُّنها من ضبط...

ذات صلة

هل يسد تحويل جنس الأرض فجوة السكن في العراق؟

شارك على مواقع التواصل

في خطوة تُعد من أبرز قرارات الحكومة لمعالجة أزمة السكن المزمنة في العاصمة بغداد، أعلنت وزارة الزراعة العراقية عزمها تحويل جنس الأراضي الزراعية المملوكة للدولة إلى سكنية، في تسع مناطق داخل العاصمة، بحلول نهاية العام الجاري. 

القرار الذي يستند إلى توجيه رسمي من مجلس الوزراء، وُصف بأنه إجراء عملي لحلحلة واحدة من أعقد أزمات العراق، لكنه في المقابل يفتح نقاشًا متجددًا حول مستقبل الأمن الغذائي، والتوازن البيئي، وحدود التخطيط العمراني في بلد يرزح تحت أعباء التوسع العشوائي والتغير المناخي.

القرار يشمل مناطق معروفة مثل البوعيثة، الزوراء، الدورة، البلديات، الصابيات، التاجيات، حي الكوفة، سريع المطار، ومناطق قريبة من المدائن. ويقضي بمنح السند العقاري المعروف بـ”سند 25″ للمواطنين الساكنين في هذه المناطق، على أن تتم عملية التحويل بعد استكمال لجان متخصصة إجراءات المسح والتحقق، بالتنسيق بين جهات متعددة كوزارة الإعمار، والبلديات، ودائرة عقارات الدولة.

أزمة مزمنة

منذ عقود، بقيت أزمة السكن في العراق تتفاقم دون حلول ناجعة، وخصوصًا بعد عام 2003 حين انفجرت الحاجة السكانية بسبب الهجرة الداخلية والنمو الطبيعي. غياب التخطيط العمراني المتكامل، وتهالك البنية التحتية، وتضخم القطاع العقاري من دون ضوابط، كلها عوامل عمّقت الفجوة بين العرض والطلب. ويبدو أن القرار الحكومي الجديد يحاول ـ ولو جزئيًا ـ تصحيح هذا الخلل عبر تقنين واقع فرض نفسه على الأرض: مجمعات عشوائية تشكّلت خارج القانون.

في هذا السياق، يرى البعض أن تحويل جنس الأرض الزراعية إلى سكنية، خاصة في الأراضي غير المستثمرة زراعيًا، يُعدّ حلاً واقعياً يُراعي الحاجة المُلحّة لتوفير السكن. ويرى أنصار القرار أن العراق بات بحاجة إلى معالجة سريعة، وأن التباطؤ في إصدار التشريعات الداعمة يزيد من اتساع العشوائيات، ويفاقم الأعباء الاجتماعية والاقتصادية.

اسئلة حول إجراء تحويل جنس الأرض

رغم وجاهة المبررات المرتبطة بالضغط السكاني، إلا أن الخطوة تطرح أسئلة جوهرية تتعلق بمستقبل العراق الزراعي والبيئي. فغياب الإحصاء الدقيق للأراضي المنتجة وغير المنتجة، وعدم وضوح المعايير الفاصلة بين “الأرض الميتة” و”الأرض الحية”، يضع القرار على المحك.

ففي بلد يعاني من شحّ المياه، وتراجع المساحات الخضراء، وتدهور في الغطاء النباتي، يمثل التوسع الحضري العشوائي خطرًا مباشرًا على الأمن الغذائي. وتبرز هنا المفارقة الصارخة: بينما تطلق الدولة حملات لمكافحة التصحر وزيادة التشجير لمواجهة آثار التغير المناخي، تأتي قرارات التحويل لتقضم من الرقعة الزراعية من دون ضمانات فعلية لتعويضها.

من جانب آخر، تفتح هذه الخطوة الباب أمام ممارسات المضاربة العقارية، واستغلال القرار من قبل جهات نافذة لتحويل أراضٍ منتجة إلى وحدات سكنية فاخرة، وهو ما يتعارض مع الهدف المعلن بتوفير سكن لذوي الدخل المحدود. غياب الشفافية والمراقبة في تنفيذ قرارات سابقة، يجعل من تكرار هذا السيناريو احتمالًا واقعيًا لا يُستهان به.

يؤكد المراقبون أن تحويل جنس الأرض لا يجب أن يكون مجرد إجراء إجرائي لإضفاء الشرعية على ما هو قائم، بل ينبغي أن يُدمج ضمن رؤية أوسع لإعادة تأهيل التخطيط الحضري. الأحياء المشمولة بالقرار، مثل الدورة أو البلديات، تُعاني أصلًا من اكتظاظ سكاني، ورداءة في البنية التحتية، وتضارب في استعمالات الأرض. وبالتالي، فإن السماح بالتوسع السكاني دون تحديث فعلي للشبكات الخدمية (كهرباء، صرف صحي، نقل) سيُكرّس نمط المدن غير القابلة للعيش.

يذهب المعارضون لهذا القرار إلى أن تجربة العراق في التعامل مع أراضٍ حُوّلت إلى مجمعات سكنية من دون تصميم مسبق، تكشف عن تراكمٍ في المشاكل الخدمية والاجتماعية، التي تحتاج إلى سنوات من المعالجة. والقرار الجديد لا يشير بوضوح إلى التزامات الدولة بإعادة تأهيل هذه المناطق ضمن خارطة تنظيمية جديدة، بل يركّز على الجانب الإجرائي والتحويلي، وهو ما يُنذر بإنتاج أحياء جديدة “رسمية” لكنها عشوائية من حيث الواقع.

“تكمن المعضلة الأكبر في أن القرار يتعامل مع عرض المشكلة لا جذورها”، على حد رأي المعراضين لهذا الإجراء، إذ إن تحويل جنس الأرض ليس حلًا بحد ذاته، بل ينبغي أن يكون وسيلة ضمن برنامج تنمية إسكانية شاملة، تشمل تشييد مشاريع إسكان عمودية حقيقية، وتوفير قروض مدعومة، وتشجيع الاستثمار في المناطق غير الحضرية، لتخفيف الضغط عن العاصمة.

وفي حال لم تُربط قرارات التحويل بخطة مركزية واضحة لتوزيع السكان، واستيعابهم في بيئات حضرية منظمة، فإن النتيجة ستكون إنتاج طبقات جديدة من الأحياء المهمشة، المقطوعة عن مراكز الخدمات، والمكشوفة أمام موجات الاحتباس الحراري دون غطاء بيئي.